للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وملائكته عليه، ووفودُ الخيراتِ العاجلة والآجلة تُساقُ إليه، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: ٤].

وسمع قارئًا يقرأ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: ١٤]، قال له قائلٌ: انظر كيف أقام عذْرَهم في تناولها، حيث أخبرهم أنه زيَّنها لهم، وأنهم لا يستطيعون الصبر عنها!

فقال: كلَّا، وحاشا لله أن يكون هذا مرادَ الله من كلامه. وفهْمُ هذا من كلامه يدلُّ على ظلمة قلبِ مَن فهِمَه وبُعدِه عن حقائق الإيمان والقرآن. وإنما معنى الآية: تزهيدُهم في هذه الشهوات المذكورة في الآية، وتقليلُها في أعينهم، وتحقيرُها في نفوسهم، وتصغيرُ شأنها، وأنها لولا (١) ما أُلبِسَتْهُ من هذه الزينة التي لا حقيقةَ لها، وإنما هي متاعٌ قليلٌ مفارقٌ عن قريبٍ، ثم تزول زينتُها وتذهبُ بهجتُها؛ فتصيرُ أقبحَ شيء، وتنقلبُ لذَّاتها آلامًا، وشهواتُها كراهةً وبغضةً. ثم يُنْهِضُهم على ما هو خيرٌ منها وأفضلُ وأعلى؛ لئلَّا يقطعَهم الرغبةُ في هذا الذي زُيِّنَ لهم عنه (٢)، وليُؤثِرُوه عليه.


(١) لم يأتِ جواب "لولا"، وهو مفهوم من السياق، أي: لكان أقبحَ شيء.
(٢) علَّق عليها محقق الطبعة الجديدة: "عنه جار ومجرور، ومتعلقه مشكل". قلت: لا غبار عليه، فـ"الرغبةُ" [وليس منصوبًا كما ضبطه المحقق] فاعلُ "يقطع"، و"عنه" متعلق بهذا الفعل، والضمير لما هو خير وأفضل. والمعنى: لئلّا يقطعهم الرغبةُ (في هذا الذي زُيِّن لهم) عن (ما هو خير وأفضل).