للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني بمنزلة رجل أخذ تلك الأرض، فجعلَها مأوى للسباع والهوامّ ومطرحًا للجِيَفِ والأَنتان، وجعلها معقلًا يأوي [٤٨ ب] إليه كلُّ مفسد ومؤذٍ ولصّ، وأخذ ما أعين به على بذارها وصلاحها، وصرفه معونة ومعيشة لمن فيها من أهل الشر (١) والفساد.

والثالث بمنزلة رجل عطَّلها وأهملها وأرسل ذلك الماء ضائعًا في القِفار والصحاري، فقعد مذمومًا محسورًا، فهذا مثال أهل الغفلة، والذي قبله مثال أهل الخيانة والجناية (٢)، والأول مثال أهل اليقظة والاستعداد لما خُلقوا له.

فالأول إذا تحرّك أو سكن أو قام أو قعد أو أكل أو شرب أو نام أو لبس أو نطق أو سكت كان ذلك كله له لا عليه، وكان في ذكر وطاعة وقربة ومزيد.

والثاني إذا فعل ذلك كان عليه لا له، وكان في طرد وإبعاد وخسران.

والثالث إذا فعل ذلك كان في غفلة وبطالة وتفريط.

فالأول يتقلب فيما يتقلب فيه بحكم الطاعة والقربة.

والثاني يتقلب في ذلك بحكم الخيانة والتعدي، فإن الله لم يُملِّكه ما ملكه ليستعين به على مخالفته، فهو جانٍ متعدٍّ (٣) خائن لله في نعمه،


(١) ع: "الشرور".
(٢) "والجناية" ليست في ك.
(٣) ك: "معتد".