للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاقتضت هذه الهيئة الاجتماعية حركةً باطنة، فإنَّ استماعَ الأصوات المطربة يُثير حركةَ النفس بحسب تلك الأصوات، وللأصوات طبائع متنوعة يتنوع آثارها في النفس، وكذلك للكلام المسموع نظمه ونثره، فيجمعون بين الصوت المناسب والحرف المناسب، فيتولد من بينهما حركاتٌ نفسية تُثِير كامنَها وتُزعِج قاطنَها، وهذا أمر يشترك فيه بنو آدم من المؤمنين والكفار والأبرار والفجار، ويُثِير من قلب كل أحدٍ ما فيه. ومعلومٌ أنَّ النفوس فيها الشهوات كامنة، ولكنها مقهورة مقيَّدةٌ بقيود الأوامر، فإذا صادفها السماع أحياها وأطلقها من قيودها، وافْتكَّها من أَسْرها، وأجلب عليها بكل مُعِين ومُمِدّ. وهذا أمر لا ينكره إلا أحد رجلين: إما غليظ الطِّباع (١) كثيف الحجاب، وإما مكابر. فمضرة هذا (٢) السماع على النفوس أعظم من مضرَّة حُمَيّا الكُؤوس.

ولما كانت المفسدة فيه ظاهرة معلومة، أخرجه أهلُه في قالَبٍ يُلطِّف ما فيه من المنكر، فجمعوا عليه أخلاطًا من الناس، وقالوا: إنَّ هذا [٩٧ ب] الاجتماع شبكةٌ نصطاد بها النفوسَ إلى التوبة، و نسوقُها بها إلى الله والدار الآخرة. ونعم واللهِ هو شبكة وأيُّ شبكة! يصطاد بها الشيطانُ النفوسَ المُبطِلة إلى ما هو أعظم من المعاصي الظاهرة،


(١) "الطباع" ليست في الأصل.
(٢) "هذا" ليست في ع.