للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذا مما يدل على الأحكام الشرعية من كونه مباحًا أو مكروهًا أو محرمًا أو كون الغناء طاعة وقربة؟ وهل هذا إلا نظير قول القائل: استلذاذُ النفوس للوطءِ أمر لا يمكن جحوده، ولذلك استلذاذها (١) بالنظر والمطاعم والمشارب والملابس، فأي دليل في هذا لمن هداه الله على (٢) ما يحبه الله ويرضاه ويأمر به ويأذن فيه؟ وهل هذا إلا شبهة الإباحية الذين خَلَعُوا رِبْقةَ الشريعة من أعناقهم، القائلين: ما الذي حالَ بين الخليقة وبين رسوم الطبيعة؟ ومن المعلوم أن جميع هذه الأجناس فيها الحلال والحرام والمعروف والمنكر.

ثم المناسب لطريقة الزهد والفقر والتصوف الاستدلالُ بذلك (٣) على كراهتها والبعد منها، وأن يستدل بكون الشيء لذيذًا مشتهًى على كونه مباينًا لطريق الإرادة والتصوف التي مبناها على الزهد في الحظوظ، وهذه الطريقة وإن لم تكن صحيحة في الشرع فهي أقرب إلى طريقتكم وأصولكم من الاستدلال بها على الإباحة والقربة، وكلا الاستدلالين باطل، فكون الشيء لذيذًا أو مشتهًى أو مما تستروح إليه النفوس لا يدل على كونه حلالًا ولا حرامًا، ولهذا ذمَّ الله من اتبع الشهوات وذمَّ من تقرب إليه بترك ما أباحه منها، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا


(١) في الأصل: "استلذوها".
(٢) في الأصل: "إلى".
(٣) "بذلك" ليست في ع.