ولهذا كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار، لأنهم قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فخالفتْ ظواهرُهم بواطنَهم، وبايَنتْ سَرائِرُهُم علانياتِهم، فكان مقتُ الله لهم أشدَّ المقتِ، وبُعدُهُم عنه أعظمَ البُعد.
فكلُّ من قال ما لم يفعل، وأظهر خلافَ ما يُبطنُ، وأعلن خلاف ما يُسِرُّ، فأظهرَ الوفاء وأبطنَ الغدرَ، وأظهر الصِّدق وأبطن الكذبَ، وأظهر الأمانة وأبطن الخيانةَ، وأظهر عقد التبايعِ وأبطنَ عقد الرِّبا، وأظهر عقد النكاحِ وأبطن عقْدَ التحليل، وأظهر صورة الشرط وأبطن عدمَ الوفاء به، أو أظهر أنه مظلومٌ ففجَرَ في الخصام وهو يعلم أنه ظالمٌ، أو أظهر العملَ لله وهو يُبطِنُ الرياءَ والسُّمعة به، أو أظهر النصيحةَ وهو يُبطِن الغشَّ= فأحسنُ أحوالِه أن يكون من الذين يقولون ما لا يفعلون، وجزاءُ ذلك كِبَرُ المقتِ من الله، فإن صادَفَ ذلك أصلَ الإيمان فهو النفاقُ الأكبر الموجِبُ للدَّرك الأسفل من النَّار، وإلا فنفاقُ العمل.
وسَمِعَ قارئًا يقرأ:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}[الحديد: ١٦]، فقال: إن الله سبحانه ندَبَ قلوبَ عباده إليه، وكان أسرعُهم إليه إجابةً قلوبَ المرسلين؛ فاختصَّهم بكرامته وجعلهم محلَّ رسالتِهِ ووسائطَ في التبليغ بينَه وبينَ عباده. ثم ندب قلوبَ العباد بعدَهم إلى طاعته، فكان خيرُهُم أسرعَهم إجابةً، ولهذا كان السَّابقون الأوَّلُون من كلِّ أمةٍ خيرًا ممن بعدهم، وكان خيرُ هذه الأمة الأسبقَ فالأسبق. فالأسبقُ إجابةً العشرةُ لسَبْقِهِم، وخيارُ العشرةِ الخلفاءُ