للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتشبيهًا يجبُ نفيُهُ عنه، فما أعظمها من خيانةٍ! عَمَدَ (١) إلى صفاتِ جلالِهِ ونعوتِ كماله فجعلها تشبيهًا، ثم عطَّلَهُ منها!

والثاني: أن يُشبِّهها بصفات خلقه، فهذا خائنٌ أيضًا.

وكلاهما قد خان الله، فعزَلَه الله عن منصب الأمانةِ، فإنَّ عهْدَه بالأمانةِ لا ينال خائنًا، فإنه ظالمٌ، وقد قال الله تعالى لإبراهيم خليله لما سأله أن يجعل من ذريَّتِه أئمَّةً: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٢٤]، أي: لا ينالُ عهدي بالأمانة ظالمًا، فإن مرتبة الإمامة (٢) لا تُدرَكُ إلا بالأمانة، فكيف يكون الخائنُ إمامًا!

وأما الخيانة في توحيد الإرادة والمحبَّة: فأن يجعل بينه وبينه نِدًّا يُحِبُّهُ كما يحبُّ اللهَ، ويَرجوه ويخافه ويطيعُهُ ويَقْصِدُ مرضاتَه ويبعُد من سخطه كما يطيع الله ويخافُه ويرجُوه ويقصدُ مرضاتَه ويبعُدُ من سخطه، فكيف إذا كان المخلوقُ في ذلك آثَرَ عندَه من الله كما هو حال أكثر الخَلْقِ! وكفى بالإنسان حسيبًا على نفسه!

بل إذا كان من خيانةِ التوحيد أن يقولَ لمخلوقٍ: ما شاء الله وشئتَ، أو يقول له: واللهِ، وحياتِك، أو يقولَ: أنَا (٣) بالله وبك، أو مُتَّكِلٌ


(١) ضبطها محقق الطبعة الجديدة: "عمدٍ" واعتبرها مصدرًا، والصواب أنها فعل ماض بمعنى قصد، وهو المناسب لما سيأتي: "فجعلها ... ثم عطَّله ... ".
(٢) في الطبعة الجديدة: "الأمانة"، تحريف ومخالف للنسخة والسياق.
(٣) ضبطها في الطبعة الجديدة: "إنّا"، وهو مخالف للسياق وكلمةِ "متكل" بصيغة الإفراد.