للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما قول الحصري: "أيشٍ أعملُ بسماعٍ ينقطع إذا انقطع من يسمع منه؟ " إلى آخره، فهذا الكلام من أبين العيب والذم لأهل هذا السماع، فإنه منقطع، ومن يسمع منه منقطع (١)، والمؤمن عمله دِيْمَةٌ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أحبُّ العمل إلى الله ما داومَ عليه صاحبُه" (٢). وهذا إنما هو في السماع القرآني لا في السماع الشعري، فإنَّه دائم بدوام المتكلم به، تزول الدنيا بأهلها وهو دائم لا يزول، وإذا سمعه المؤمنون في الجنة من الرحمن عز وجل فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك، وتُنسِيهم لذةُ سماعه ما هم فيه من النعيم حتى يستفرغ جميع ما هم فيه من النعيم، كما يُنسِيهم [١٣٧ ب] ذلك لذةُ نظرِهم إلى وجهه، وما أقلَّ نصيبَ أصحابِ الصور والأصوات من هذا النظر والسماع! (٣)

نَزِّهْ لِحاظَكَ عن سِواه إن تُرِدْ ... نظرًا إليهِ في محلِّ ثوابِهِ

وكذاك سَمْعَك صُنْه عن سَمْعِ الغِنا ... لِيَلَذَّ (٤) يومَ لقائِهِ بخِطابِهِ

أتَرُومُ رؤيتَه بمُقْلةِ خائنٍ ... هيهاتَ إنَّ مُطيعَه أولى بِهِ

ويَرُوم سَمْعٌ قد تَمَلَّى بالغِنا ... أن يَستلِذَّ خِطابَه بكتابه


(١) "منقطع" ليست في ع.
(٢) أخرجه البخاري (٥٨٦١) ومسلم (٧٨٢) عن عائشة.
(٣) بعدها في ع: "للمصنف رحمة الله عليه".
(٤) ع: "لتلذ".