للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْعَقْدِ لَا إنَابَةُ مُقْبِضٍ مِنْ رَاهِنٍ أَوْ نَائِبِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ.

(وَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ فِيهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (مَا لَمْ يُقْبِضْهُ) الْمُرْتَهِنَ أَوْ نَائِبَهُ، وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ مِلْكًا كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ لِزَوَالِ مَحِلِّ الرَّهْنِ، وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَتَقْيِيدُهُمَا بِالْقَبْضِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ بِدُونِ قَبْضٍ لَا يَكُونُ رُجُوعًا. لَكِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ رُجُوعٌ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ أَيْضًا بِكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَإِحْبَالٍ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْعِتْقُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلرَّهْنِ، وَلَا يَحْصُلُ بِوَطْءٍ وَتَزْوِيجٍ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِمَا لَهُ وَلَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْعَاقِدِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رَاهِنًا أَوْ مُرْتَهِنًا. وَقَوْلُهُ " فِيهِ " أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَبْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْإِقْبَاضِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ، فَالْقَبْضُ تَنَاوَلَ الْمُرْتَهِنَ وَالْإِقْبَاضُ دَفَعَ الْمَرْهُونَ لِلْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ: (لَا إنَابَةَ مُقْبِضٍ) أَيْ لَا إنَابَةَ الْمُرْتَهِنِ الْمُقْبِضَ فِي الْقَبْضِ، أَيْ إنَّ الْمُرْتَهِنَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إنَابَةُ الرَّاهِنِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ عَبْدِهِ فِي الْقَبْضِ، وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ إنَابَةُ الرَّاهِنِ الْمُرْتَهِنَ فِي الْإِقْبَاضِ فَيَصِحُّ وَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ لِأَنَّهُ كَالْإِقْبَاضِ.

قَوْلُهُ: (الرُّجُوعُ فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ بِفَسْخِهِ أَوْ فِي الْمَرْهُونِ بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِهِ. وَسَلَكَ الشَّارِحُ الثَّانِيَ لِمُنَاسَبَةِ الضَّمِيرِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَرْهُونِ، وَفَاعِلُ يَقْبِضُ إمَّا الرَّاهِنُ بِجَعْلِهِ مِنْ أَقْبَضَ وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ الْمُرْتَهِنُ بِجَعْلِهِ مِنْ قَبْضَ، وَسَلَكَ الشَّارِحُ الثَّانِيَ لِيَدْخُلَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ق ل؛ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْفَاعِلِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَا مِنْ كَلَامِ الْمَاتِنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ أَيْ الْمَرْهُونِ الْمُنَاسِبِ أَيْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ، نَعَمْ ضَمِيرُ يَقْبِضُهُ رَاجِعٌ لِلْمَرْهُونِ فَيَكُونُ فِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامٌ.

قَوْلُهُ: (مَقْبُوضَةٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، أَيْ مَقْبُوضٌ مُتَعَلِّقُهَا وَهُوَ الْمَوْهُوبُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ اسْمٌ لِلْعَقْدِ وَهُوَ لَا يُقْبَضُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الرَّهْنِ.

قَوْلُهُ: (وَبِرَهْنٍ) أَعَادَ الْعَامِلَ إشَارَةً إلَى اسْتِقْلَالِهِ، أَيْ فَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى الْهِبَةِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، شَوْبَرِيٌّ؛ بَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِتَصَرُّفٍ.

قَوْلُهُ: (مَقْبُوضٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.

قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ رُجُوعًا) زَادَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ اهـ. وَقَوْلُهُ " لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ " أَيْ عَلَى الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ؛ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا وَهَبَهَا الْأَصْلَ لِفَرْعِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا إلَّا بِالْقَبْضِ فَجَرَى ذَلِكَ فِي نَظِيرِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّخْرِيجِ عِنْدَهُمْ. وَأَشَارَ ابْنُ السُّبْكِيّ إلَى ضَابِطِ التَّخْرِيجِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُجْتَهِدِ قَوْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ عُرِفَ لَهُ قَوْلٌ فِي نَظِيرِهَا فَهُوَ قَوْلُهُ الْمُخَرَّجُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَحَاصِلُهُ كَمَا أَوْضَحَهُ شَارِحُهُ وَحَوَاشِيهِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَسْأَلَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَيَنُصُّ الْمُجْتَهِدُ فِي كُلٍّ حُكْمًا غَيْرَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُخْرَى، فَيُخَرِّجُ الْأَصْحَابُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلًا آخَرَ اسْتِنْبَاطًا لَهُ مِنْ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُخْرَى. وَهُنَا قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرُّجُوعِ عَنْ الرَّهْنِ بِهِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِهِمَا وَلَوْ بِلَا قَبْضٍ، وَنَصَّ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ هِبَةُ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِهِبَةٍ أُخْرَى أَوْ رَهْنٍ إلَّا مَعَ الْقَبْضِ؛ فَخَرَّجَ الرَّبِيعُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِهِمَا إلَّا مَعَ الْقَبْضِ اسْتِنْبَاطًا مِنْ الْمَنْصُوصِ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ؛ وَمُقْتَضَى الضَّابِطِ أَنَّ الرَّبِيعَ خَرَّجَ لِلشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ قَوْلًا بِأَنَّهُ يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِهَا وَلَوْ بِدُونِ قَبْضٍ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا هُنَا، فَتَدَبَّرْ.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ اهـ، أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ: أَوْصَيْت بِهَذَا الْعَبْدِ لِزَيْدٍ ثُمَّ وَهَبَهُ لِعَمْرٍو فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) اعْتَمَدَهُ م ر.

قَوْلُهُ: (بِكِتَابَةٍ) وَلَوْ فَاسِدَةً، حَجّ.

قَوْلُهُ: (وَإِحْبَالٍ) أَيْ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ طَرَيَانُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الرَّهْنَ، وَكُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَهُ لَا يَفْسَخُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا الرَّهْنَ وَالْهِبَةَ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ اهـ شَرْحُ م ر. قُلْتُ: اقْتِصَارُهُ عَلَى إحْبَالِهِ وَأَصْلُهُ يُخْرِجُ إحْبَالَ فَرْعِهِ. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ فِي مَالٍ فَرْعُهُ شُبْهَةُ الْإِعْفَافِ دُونَ عَكْسِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (بِوَطْءٍ) أَيْ وَإِنْ أَنْزَلَ أَوْ أَزَالَ الْبَكَارَةَ، سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.

قَوْلُهُ: (وَتَزْوِيجٍ) سَوَاءٌ كَانَ لِعَبْدٍ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>