للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ.

وَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ نَوْعَيْ الْعَيْنِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا: صُلْحُ الْحَطِيطَةِ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، كَمَنْ صَالَحَ مِنْ دَارٍ عَلَى بَعْضِهَا أَوْ مِنْ ثَوْبَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهَذَا هِبَةٌ لِبَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الْقَبُولُ وَمُضِيُّ مُدَّةِ إمْكَانِ الْقَبْضِ. وَيَصِحُّ فِي الْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَشَبَهِهِمَا وَكَذَا بِلَفْظِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَصَحِّ كَصَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ عَلَى رُبْعِهَا، وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الثَّمَنِ. (وَ) الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْعَيْنِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ (مُعَاوَضَةٌ) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ (فَالْإِبْرَاءُ) الَّذِي هُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ نَوْعَيْ الدَّيْنِ (اقْتِصَارُهُ مِنْ حَقِّهِ) مِنْ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ (عَلَى بَعْضِهِ) وَيُسَمَّى صُلْحُ الْحَطِيطَةِ، وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا كَالْوَضْعِ وَالْإِسْقَاطِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ طَلَبَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا وَنَادَى: يَا كَعْبُ فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ فَاقْضِهِ» وَإِذَا جَرَى ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْإِبْرَاءِ: كَأَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ كَوَضَعْتُهَا أَوْ أَسْقَطْتهَا عَنْك لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ. وَكَوْنُهُ إسْقَاطًا أَوْ تَمْلِيكًا اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الْأَصَحِّ كَصَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَرْعٌ: ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَأَقَرَّ لَهُ بِهَا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى خَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَتَيْ نِصْفِ فِضَّةٍ صَحَّ، وَلَا يُقَالُ هَذَا مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تِلْكَ مَفْرُوضَةٌ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا هُنَا،. اهـ. عَنَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا) كَأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك بِعَبْدٍ فِي ذِمَّتِك صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْعَبْدِ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي قَبْضِهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاشْتِرَاطُ م د. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ) صَوَابُهُ: لِمَنْ هِيَ أَيْ الْعَيْنُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِتَأْوِيلِ الْعَيْنِ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى، اهـ أج. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْبَعْضِ لَا لِلْعَيْنِ كَمَا فَهِمَهُ الْحَوَاشِي، فَاعْتِرَاضُهُمْ عَلَى الشَّارِحِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ) أَيْ الصُّلْحِ. قَوْلُهُ: (وَمَضَى مُدَّةُ إمْكَانِ الْقَبْضِ) هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ شَرْطٌ لِلُزُومِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ لَا لِأَصْلِ صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَسَاهُلٌ، وَالْأَوْجَهُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ وَلَا لِدَوَامِهَا، ق ل. بَلْ شَرْطٌ لِلُّزُومِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ الْهِبَةِ) أَيْ مَعَ لَفْظِ الصُّلْحِ لِيَكُونَ مِنْ أَنْوَاعِهِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ سَبْقُ الْخُصُومَةِ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك نِصْفَ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ وَصَالَحْتُك عَلَى بَاقِيهَا، فَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ " وَصَالَحْتُك إلَخْ " صَحَّ وَكَانَ هِبَةً مَحْضَةً لَا صُلْحًا فَلَا يُشْتَرَطُ سَبْقُ الْخُصُومَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ جَرَى بِلَفْظِ الْهِبَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ خُصُومَةٍ، وَإِنْ جَرَى بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَقَطْ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ مَعَ لَفْظِ الْهِبَةِ اُشْتُرِطَ سَبْقُ خُصُومَةٍ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (وَشَبَهُهُمَا) كَالْإِعْطَاءِ.

قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الثَّمَنِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَيْنَ كُلَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَإِذَا بَاعَهَا بِبَعْضِهَا فَقَدْ بَاعَ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ وَالشَّيْءَ بِبَعْضِهِ وَهُوَ مُحَالٌ، حَجّ.

قَوْلُهُ: (فَالْإِبْرَاءُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ لَا يُشْتَرَطُ سَبْقُ خُصُومَةٍ وَلَا قَبُولٍ، وَإِنْ جَرَى بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ مَعًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ خُصُومَةٍ، وَإِنْ جَرَى بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَقَدْ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ خُصُومَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ) أَيْ مَعَ لَفْظِ الصُّلْحِ لِيَكُونَ مِنْهُ، وَعَلَى مَا مَرَّ لَا يَحْتَاجُ لِقَبُولٍ نَظَرًا لِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، ق ل وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ إلَيْهِمَا) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ.

قَوْلُهُ: (قَدْ فَعَلْت) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ إنْشَاءٌ أَوْ إخْبَارٌ عَمَّا وَقَعَ مِنْهُ. أَقُولُ: نَظَرْت فَوَجَدْت لِشَيْخِنَا الْعَشْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " قَدْ فَعَلْت " أَيْ أَنْشَأْت ذَلِكَ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهَا) أَيْ صِيغَةُ الْإِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: (الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ) مُعْتَمَدٌ.

قَوْلُهُ: (اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ) أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّهُ تَمْلِيكٌ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْقَبُولِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ) أَيْ فَقَطْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>