عَلَيْك عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِيهِ خِلَافٌ مُدْرَكُهُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى، وَالْأَصَحُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ هُنَا اشْتِرَاطُهُ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَنَظِيرِهِ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْنِ (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ (فِعْلُهُ) أَيْ تَعْلِيقُ الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ (عَلَى شَرْطٍ) كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ صَالَحْتُك.
(وَالْمُعَاوَضَةُ) الَّذِي هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْعَيْنِ عُدُولُهُ عَنْ حَقِّهِ الْمُدَّعَى بِهِ إلَى غَيْرِهِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا أَوْ شِقْصًا مِنْهَا، فَأَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ وَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَعَبْدٍ صَحَّ (وَيَجْرِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الصُّلْحِ (حُكْمُ الْبَيْعِ) مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفَسَادِهِ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَعَقَدَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ أَمْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى دَيْنٍ فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا مَثَلًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّلَمِ فَهُوَ سَلَمٌ تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ، وَإِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (مُدْرَكُهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مَوْضِعُ إدْرَاكِهِ، وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ: " مَدْرَكُهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ؛ وَلَيْسَ لِتَخْرِيجِهِ وَجْهٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَدْرَكَ إدْرَاكًا، وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى طَرْدِ الْبَابِ فَيُقَالُ مُفْعَلٌ بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ أَفْعَلَ، وَاسْتُثْنِيَتْ كَلِمَاتٌ مَسْمُوعَةٌ خَرَجَتْ عَنْ الْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْهَا الْمُدْرَكَ فَالْوَجْهُ الْأَخْذُ بِالْأُصُولِ الْقِيَاسِيَّةِ حَتَّى يَصِحَّ سَمَاعُ غَيْرِهَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمِصْبَاحِ. وَقَوْلُهُ: " بِلَفْظِ الْبَيْعِ " أَيْ لِعَدَمِ الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ وَأَمَّا صُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ فَسَيُذْكَرُ أَوْ أَنَّ صُلْحَ الْمُعَاوَضَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ يَكُونُ بَيْعًا فَلَهُ حُكْمُهُ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُعَاوَضَةُ عُدُولُهُ عَنْ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ) كَلَامُ الْمَتْنِ شَامِلٌ لِصُورَتَيْنِ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَتْنُ أَسْقَطَ قِسْمًا وَاحِدًا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا وَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهَا، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ، فَالْإِبْرَاءُ اقْتِصَارُهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى بَعْضِهِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدَّيْنِ. وَعَلَى فَهْمِ الشَّارِحِ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ أَسْقَطَ قِسْمًا ثَانِيًا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا وَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَصَالَحَهُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الدَّارِ أَوْ بَعْضِهَا.
قَوْلُهُ: (عَلَى ثَوْبٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ كَعَبْدٍ الْمُرَادُ مُعَيَّنٌ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي: وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى دَيْنٍ.
قَوْلُهُ: (صَحَّ) لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَصْوِيرٍ لَا بَيَانَ الْحُكْمِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي عَلَيْهِ) الْأَنْسَبُ " عَلَيْهَا " لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شِقْصًا مِنْ دَارٍ كَانَ غَاصِبًا لَهُ فَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا فَقَدْ بَاعَهُ لَهُ بِالثَّوْبِ، فَإِذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي شَرِيكٌ فِي الدَّارِ فَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْجَهَالَةِ) مِنْ عَطْفِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ.
قَوْلُهُ: (إلَى غَيْرِ ذَلِكَ) كَالْخِيَارِ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَيَسْرِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْعَقْدِ بِأَيِّ اللَّفْظَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ) أَتَى بِهَذَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا) مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَلَمًا بِأَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَالذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ هُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ إلَخْ، بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: فَهُوَ بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِمَا بِالْآخَرِ، وَالْمُرَادُ بِهَا بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: " فَهُوَ سَلَمٌ " مَا يَعُمُّ النَّقْدَ وَغَيْرَهُ، فَقَوْلُهُ: " فَهُوَ سَلَمٌ " أَيْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ السَّلَمِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ شَرْحِ حَجّ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا " فَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَاشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ وَالتَّسَاوِي إنْ كَانَ جِنْسًا رِبَوِيًّا كَمَا مُثِّلَ بِهِ، وَاشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَجَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ سَلَمٌ) أَيْ حَقِيقَةً إنْ كَانَ بِلَفْظِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ الَّتِي أَدَّعِيهَا عَلَيْك عَلَى عَبْدٍ فِي ذِمَّتِك