للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَاشِي مُنْتَصِبًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى أَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إضْرَارٌ حَقِيقِيٌّ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَمَرُّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمُحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ: إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ــ

[حاشية البجيرمي]

سَوَاءٌ ضَرَّ الْمَارَّةَ أَوْ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الْأَمَاكِنَ يَمْتَنِعُ الْإِشْرَاعُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَلَا كَذَلِكَ الشَّارِعُ،. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعَ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ، أَيْ إظْلَامًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ، فَلَا تَضُرُّ الظُّلْمَةُ الْيَسِيرَةُ ح ل وم ر. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَاشِي) اُنْظُرْ لَوْ رَفَعَهُ ثُمَّ عَلَا الطَّرِيقُ هَلْ يُهْدَمُ نَظَرًا لِتَضَرُّرِ الْمَارَّةِ حِينَئِذٍ أَوْ لَا نَظَرًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ؟ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ أج: يَجِبُ عَلَيْهِ رَفْعُ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إزَالَتِهِ أَوْ قَطْعُ الْأَرْضِ، إذْ الِانْتِفَاعُ بِالشَّوَارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا. قُلْت: وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ قَطْعِ الْأَرْضِ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَبْعُدْ تَأَمَّلْ أج. وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَمَرَّ فُرْسَانٍ وَقَوَافِلَ فَصَارَ كَذَلِكَ فَيُكَلَّفُ رَفْعَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر، وَقَالَ: إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ م ر وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَنَى جِدَارَهُ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ مَالَ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِهَدْمِهِ أَوْ إصْلَاحِهِ مَعَ أَنَّهُ وَضَعَهُ فِي الْأَصْلِ بِحَقٍّ، وَلَا يُشْكِلُ مُطَالَبَتُهُ بِهَدْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُهُ مُعَلِّلِينَ لَهُ بِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُتَوَقَّعِ، اهـ عَزِيزِيٌّ نَقْلًا عَنْ ع ش.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ) أَيْ مُرُورَ الْمَاشِي تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا إلَخْ قَوْلُهُ: (الْحُمُولَةُ) بِضَمِّ الْحَاءِ اسْمٌ لِلْحِمْلِ الَّذِي عَلَى الْبَعِيرِ، وَهُوَ خَشَبٌ فِي جَانِبِ الْبَعِيرِ يُرَكَّبُ فِيهِ. وَالْحُمُولُ بِالضَّمِّ بِلَا هَاءٍ اسْمٌ لِلْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الْهَوَادِجُ.

قَوْلُهُ: (الْعَالِيَةُ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ بَعْدَ اللَّامِ أَوْ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ اللَّامِ، ضَبَطَهُ بِذَلِكَ سم أَيْضًا؛ وَهَذَا أَوْجَهُ بَلْ مُتَعَيِّنٌ، قَالَ: لِأَنَّهُ يُفِيدُ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ حُكْمًا وَهُوَ عَدَمُ تَأْثِيرِ مَا جَاوَزَ فِي عُلُوِّهِ الْعَادَةَ الْغَالِبَةَ، شَوْبَرِيٌّ. لَكِنْ قَالَ ز ي: الضَّبْطُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُرْتَفِعَةِ وَلَوْ نَادِرَةً اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَاسْتُبْعِدَ ق ل الْعَالِيَةُ بِمُهْمَلَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِقَدْرِهَا، وَعِبَارَتُهُ: الْحُمُولَةُ الْغَالِبَةُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ اللَّامِ، وَهُوَ أَضْبَطُ مِنْ كَوْنِهِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ بَعْدَ اللَّامِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهَا.

قَوْلُهُ: (الْمَحْمِلُ) كَالشُّقْدُفِ.

قَوْلُهُ: (مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُشَالَةِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ م ر عَلَى الرَّوْضِ، وَهِيَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ فَوْقَ الْمَحْمِلِ يُوضَعُ عَلَيْهَا سُتْرَةً تَقِي الرَّاكِبَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ؛ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ) فِيهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ إلَخْ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَلَوْ نَادِرًا.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ) أَيْ إخْرَاجِ الرَّوْشَنِ وَالسَّابَاطِ.

قَوْلُهُ: (نَصَبَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ) أَيْ خَارِجَ الدَّارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: كَانَ شَارِعًا إلَخْ، قَالَ ق ل: وَفِي هَذَا الدَّلِيلِ تَأَمُّلٌ اهـ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا يُشْبِهُ الْجَنَاحَ، أَوْ يُقَالُ: إذَا جَازَ فِي الْمِيزَابِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُمَا جَازَ ذَلِكَ فِيهِمَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ) أَيْ الْبَيْهَقِيُّ؛ وَلَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ زَادَ الْحَاكِمُ: فَيَكُونُ ضَمِيرُ " قَالَ " لَهُ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (كَانَ شَارِعًا) أَيْ فِي شَارِعٍ، وَذَلِكَ الشَّارِعُ طَرِيقٌ لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لَا ضَرَرَ) أَيْ لَا تَضُرُّ نَفْسَك، وَقَوْلُهُ " وَلَا ضِرَارَ " أَيْ لَا تَضُرُّ غَيْرَك. وَخَبَرُ " لَا " مَحْذُوفٌ، أَيْ فِي دِينِنَا أَوْ جَائِزَانِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ وَكَوْنُ خَبَرِ " لَا " مَحْذُوفًا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَوْلُهُ " فِي الْإِسْلَامِ " هُوَ الْخَبَرُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ لَا تَضُرَّ نَفْسَك وَلَا تَضُرَّ غَيْرَك وَقَوْلُهُ وَلَا ضِرَارَ فِعَالٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا تُجَازِيهِ عَلَى إضْرَارِهِ بَلْ تَعْفُو وَتَصْفَحُ، أَيْ لَا يَضُرُّ مَنْ لَا يَضُرُّهُ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>