فَإِنْ فَعَلَ مَا مُنِعَ أُزِيلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ لَكِنْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ غَيْرِ الْمُضِرِّ هُوَ فِي الْمُسْلِمِ، أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ الْإِشْرَاعُ إلَى شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ جَازَ اسْتِطْرَاقُهُ، لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْمَنْعِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَضُرُّ مَنْ يَضُرُّهُ، فَالضَّرَرُ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ وَالضِّرَارُ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الضَّرَرُ مَا يَضُرُّ بِهِ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ وَيَنْتَفِعُ هُوَ بِهِ وَالضِّرَارُ أَنْ يَضُرَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ نَهْيٌ لِلشَّخْصِ عَنْ تَعَاطِي مَا يَضُرُّ نَفْسَهُ وَالثَّانِي نَهْيٌ لَهُ عَنْ فِعْلِ مَا يَضُرُّ غَيْرَهُ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ مَا يَنْفَعُ الْغَيْرَ وَالثَّانِي عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ مَا يَضُرُّ بِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوَّلِ لَا يَضُرُّ الشَّخْصُ أَخَاهُ فَيَنْتَقِصُ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ وَمَعْنَى الثَّانِي لَا يُضَارَّ الرَّجُلُ جَارَهُ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ عَلَى الضَّرَرِ وَمَعْنَى الثَّانِي لَا يَجُوزُ لَهُ إضْرَارُ غَيْرِهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْسِيسِ، وَقِيلَ: إنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ جُمِعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَضُرُّ.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْأَمْرَ بَيْنَ الْحَمْلِ عَلَى التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى لَا سِيَّمَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْلُهُ: «وَلَا ضِرَارَ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " إضْرَارٌ " بِالْهَمْزَةِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَا صِحَّةَ لَهَا، وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ: «مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ مَا قَلَّ مِنْهُ وَمَا كَثُرَ إلَّا لِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ فَتْحُ كُوَّةٍ فِي جِدَارِهِ يَطَّلِعُ مِنْهَا عَلَى عَوْرَاتِ جَارِهِ أَوْ إحْدَاثُ فُرْنٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ رَحًى أَوْ مَعْصَرَةٍ لِوُجُودِ الضَّرَرِ بِالدُّخَانِ وَصَوْتِ الرَّحَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعْلِيَةُ بِنَائِهِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَبْوَابُ غُرَفِهِ وَمَنَعَ الشَّمْسَ أَنْ تَقَعَ فِي حُجْرَتِهِ وَإِذَا انْهَارَتْ بِئْرُ جَارِهِ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُ فَضْلِ مَائِهِ إلَى زَرْعِ جَارِهِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ زَرَعَ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ، الثَّانِي: أَنْ يَتَشَاغَلَ بِإِصْلَاحِ بِئْرِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ، الثَّالِثُ: أَنْ يَخْشَى عَلَى زَرْعِهِ الْهَلَاكَ،. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ) وَكَذَا غَيْرُهُ إنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. فَائِدَةٌ: نَقَلَ الْغَزِّيُّ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَنَاحِ الْمُخْرَجِ قَدْرٌ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِيزَابِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ نِصْفَ السِّكَّةِ. وَوَجَّهَهُ الْغَزِّيُّ بِأَنَّ الْجَنَاحَ قَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَبِفَرْضِهِ هُوَ نَادِرٌ، بِخِلَافِ الْمِيزَابِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَجَاوِزَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ الْمَاءِ، فَمُجَاوَزَةُ أَحَدِ الْمُتَجَاوِزَيْنِ بِمِيزَابِهِ لِنِصْفِ السِّكَّةِ مُبْطِلٌ لِحَقِّ الْآخَرِ الْمُقَابِلِ لَهُ. وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: فَالْوَجْهُ جَوَازُ إخْرَاجِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لِمِلْكِ الْجَارِ سَوَاءٌ أَجَاوَزَ النِّصْفَ أَمْ لَا. وَمِثْلُ سم فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ الضَّرَرُ بِأَنْ يُصِيبَ مَاؤُهُ جِدَارَ الْغَيْرِ بِحَيْثُ يَعِيبُهُ أَوْ يُتْلِفُهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (لَا كُلُّ أَحَدٍ) فَلَوْ أَزَالَهُ آحَادُ النَّاسِ لَمْ يَضْمَنْ بَلْ يُعَزَّرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ أَيْ تَعَدِّيًا عَلَيْهِ. وَمَا هُنَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، فَإِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْقَاتِلَ لِهَؤُلَاءِ لَا يَضْمَنُ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِلِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ إزَالَةِ كُلِّ أَحَدٍ لَهُ، شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (مُطَالَبَتُهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَاكِمِ لَا عَلَى الْمُشَرِّعِ اهـ مَدَابِغِيٌّ؛ لَكِنْ الْمُتَبَادَرُ رُجُوعُهُ لِلْمُشَرِّعِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ) يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُ أَيْ الْكَافِرُ يُمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ فِي الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا وَرَضِيَ أَهْلُهُ، ز ي. وَقَوْلُهُ " كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ " ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْمَنْعِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْهَا أَيْضًا تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ قَصِيرًا وَقَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، نَعَمْ يُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا اُعْتِيدَ مِثْلُهُ لِلسُّكْنَى وَإِلَّا لَمْ يُكَلَّفْ الذِّمِّيُّ النَّقْصَ عَنْ أَقَلِّ الْمُعْتَادِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُ عَنْ تَتْمِيمِ بِنَائِهِ وَذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ فَلَا يُبَاحُ بِرِضَا الْجَارِ، اهـ شَرْحُ م ر.