للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ آبَارِ حُشُوشِهِمْ، فِي أَفْنِيَةِ دُورِهِمْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَلَا مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ وَحُكْمُ الشَّارِعِ الْمَوْقُوفِ حُكْمُ غَيْرِهِ فِيمَا مَرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ. وَالطَّرِيقُ مَا جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ طَرِيقًا أَوْ وَقَفَهُ الْمَالِكُ. وَلَوْ بِغَيْرِ إحْيَاءٍ كَذَلِكَ. وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى لَفْظٍ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ.

أَمَّا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُصَيِّرُهُ بِهِ وَقْفًا عَلَى قَاعِدَةِ الْأَوْقَافِ انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَحَيْثُ وَجَدْنَا طَرِيقًا اعْتَمَدْنَا فِيهِ الظَّاهِرَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَبْدَأِ جَعْلِهِ طَرِيقًا، فَإِنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يَجْعَلَ عَرْضَهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا حَوْلَهُ مِنْ الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَمْلُوكَةً يُسْلِيهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُهَا إلَى خِيرَتِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ تَوْسِيعُهَا.

وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ، أَوْ السَّابَاطِ بِعِوَضٍ وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا) أَيْ الْكُفَّارُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ آبَارِ حُشُوشِهِمْ) أَيْ مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ، جَمْعُ بِئْرٍ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَهِيَ الْحَاصِلُ الَّذِي تَحْتَ بَيْتِ الرَّاحَةِ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْقَصَبَةِ. وَقَوْلُهُ " حُشُوشُهُمْ " هِيَ بُيُوتُ الْأَخْلِيَةِ ق ل.

قَوْلُهُ: (دُورِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، أج؛ لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ: الْمُرَادُ دُورُهُمْ الَّتِي بَيْنَ دُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ لِلْكُفَّارِ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْفِنَاءُ مَا حَوْلَ الدَّارِ، فَالْمُرَادُ بِالْأَفْنِيَةِ مَا قُدَّامُ دُورِ الْمُسْلِمِينَ.

قَوْلُهُ: (الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ) بِأَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ فِيهَا مُسْلِمٌ، ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ) أَيْ ابْتِدَاءً، أَمَّا الدَّوَامُ فَيُغْتَفَرُ كَأَنْ اشْتَرَى دَارَ مُسْلِمٍ عَالِيَةً فَيَجُوزُ إبْقَاؤُهَا لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَنَاهَا عَالِيَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْمُسْلِمُ فَتُهْدَمُ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ أَسْلَمَ هُوَ هَلْ تَبْقَى أَوْ لَا؟ الرَّاجِحُ لَا تَبْقَى، وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّهَا تَبْقَى تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَهَذَا حُكْمُ الرَّوْشَنِ لِلْكَافِرِ، أَمَّا فَتْحُ الْبَابِ لِلْكَافِرِ فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ نَافِذٍ وَفِيهِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ أَوْ نَافِذٌ جَازَ فَتْحُ الْبَابِ لَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّرْبُ مُشْتَرَكًا وَلَيْسَ فِيهِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ جَازَ فَتْحُ الْبَابِ أَيْضًا بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ وَالْإِذْنِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَشَرْطُهُ عَدَمُ الضَّرَرِ فَقَطْ، وَيَجُوزُ فِي هَذَا الثَّانِي أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى الْفَتْحِ دُونَ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَحُكْمُ الشَّارِعِ الْمَوْقُوفِ) مُرْتَبِطٌ بِالْمَتْنِ وَالْمَوْقُوفُ ظَاهِرٌ. وَغَيْرُ الْمَوْقُوفِ هُوَ الَّذِي جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ طَرِيقًا.

قَوْلُهُ: (فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ.

قَوْلُهُ: (فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ) وَهُوَ الْمَوَاتُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْوَقْفِ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (اعْتَمَدْنَا فِيهِ الظَّاهِرَ) أَيْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَلَا يُوَسَّعُ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا. وَقَوْلُهُ " وَلَا يُلْتَفَتُ إلَخْ " أَيْ لَا يُنْظَرُ لِأَصْلِ وَضْعِهِ وَلَا يُبْحَثُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ مَوَاتًا فِي الْأَصْلِ فَتَكُونُ الطَّرِيقُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ قَدْرَ الْحَاجَةِ،. اهـ. شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْمُشْتَرِكُونَ فِي الْإِحْيَاءِ مَثَلًا، وَهُوَ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: ثُمَّ إنْ اتَّفَقُوا فَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ اخْتَلَفُوا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَدْرِ الطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي كَوْنِهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ) أَيْ الشَّيْءُ، أَمَّا مِنْ تُرَابِهِ فَيَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ تُرَابِ السُّورِ فَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ أَخْذِ تُرَابِ السُّورِ أَنْ يَضُرَّ بِخِلَافِ تُرَابِ الطَّرِيقِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ تُرَابِ الْخَلِيجِ بِخِلَافِ طِينِ الْبِرَكِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ إلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابِهَا أَوْ ظَنِّ رِضَاهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَمْلُوكَةً) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ " فَإِنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ إلَخْ "

<<  <  ج: ص:  >  >>