للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصِّفَةِ وَشَرَطَ فِي الْمَضْمُونِ لَهُ. هُوَ الدَّائِنُ مَعْرِفَةَ الضَّامِنِ عَيْنِهِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلًا، وَمَعْرِفَةُ وَكِيلِهِ كَمَعْرِفَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ الْتِزَامٍ لَمْ يُوضَعْ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعَاقَدَاتِ وَلَا رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَدِينُ، وَلَا مَعْرِفَتُهُ لِجَوَازِ التَّبَرُّعِ بِأَدَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ.

(وَإِذَا غَرِمَ الضَّامِنُ) الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ (رَجَعَ) بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ إذَا كَانَ الضَّمَانُ وَالْقَضَاءُ) لِلدَّيْنِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ لَهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَهُ إلَى مَنْفَعَةِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ، هَذَا إذَا أَدَّى مِنْ مَالِهِ. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَأَدَّى بِهِ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَإِنْ انْتَفَى إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِتَبَرُّعِهِ، فَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ وَسَكَتَ عَنْ الْأَدَاءِ رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبِ الْأَدَاءِ، وَلَا يَرْجِعُ إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَلَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ. نَعَمْ لَوْ أَدَّى بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ كَغَيْرِ الضَّامِنِ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ حَتَّى يَرْجِعَ فِي الْمُتَقَوِّمِ بِمِثْلِهِ صُورَةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِإِذْنٍ وَلَا ضَمَانَ رَجَعَ وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ الرُّجُوعَ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّاهُ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ مُؤَدٍّ وَلَوْ ضَامِنًا إذَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ وَلَوْ رَجُلًا لِيَحْلِفَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ.

قَوْلُهُ: (وَشَرْطٌ فِي الْمَضْمُونِ لَهُ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهَا عَلَى الْمَتْنِ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الْأَرْكَانِ.

قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ الضَّامِنِ إلَخْ) وَكَذَا مَعْرِفَةُ السَّيِّدِ إنْ كَانَ الضَّامِنُ عَبْدَهُ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْ الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ الْآذِنِ اهـ حَجّ. وَإِنَّمَا كَفَتْ مَعْرِفَةُ عَيْنِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِنْوَانُ الْبَاطِنِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ وَكِيلِهِ) أَيْ وَكِيلِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَالِبَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ كَمَعْرِفَتِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُوضَعْ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعَاقَدَاتِ) وَجْهُ ذَلِكَ كَوْنُهُ لَا مُقَابِلَ لَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ وَالْهِبَةِ الَّتِي بِثَوَابٍ وَمَا شَاكَلَهَا مِمَّا لَهُ مُقَابِلٌ.

قَوْلُهُ: (رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ ضَمِنَ بِالْإِذْنِ رَجَعَ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءً أَدَّى بِالْإِذْنِ أَمْ لَا. وَإِنْ ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَلَا رُجُوعَ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءً أَدَّى بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا أَوْ بِالْإِذْنِ إنْ لَمْ يَشْرُطْ الرُّجُوعَ فِي الْأَخِيرَةِ، أَعْنِي فِيمَا إذَا أَدَّى بِالْإِذْنِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِالْأَدَاءِ ثُمَّ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ ثُمَّ أَدَّى، فَقَالَ الطَّبَلَاوِيُّ: لَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَقَعُ عَنْ جِهَةِ الضَّمَانِ بِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِهِ وَهُوَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَقَالَ ابْنُ الرَّمْلِيِّ: إنْ أَدَّى عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ السَّابِقِ رَجَعَ أَوْ عَنْ الضَّمَانِ فَلَا، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ؛ وَقَرَّرَ فِي الْعَكْسِ كَذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَدَّى بِإِذْنٍ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ إنْ أَدَّى عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ وَإِلَّا فَلَا، فَرَاجِعْهُ سم، وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَرْبَعُ صُوَرٍ: الْأُولَى: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الضَّمَانِ وَفِي الْقَضَاءِ، الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْتَفِيَ الْأَمْرَانِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَقَطْ؛ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ يَرْجِعُ وَفِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ لَا يَرْجِعُ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَضَاءُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ لِلضَّامِنِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِذْنِهِ. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ الضَّمَانِ وَالْقَضَاءِ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ) وَمَحِلُّ جَوَازِ أَخْذِهِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ أَدَّى) أَيْ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ.

قَوْلُهُ: (كَغَيْرِ الضَّامِنِ) التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَمَانٌ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ يَرْجِعُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ إنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَحَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ) بِأَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الضَّمَانِ أَوْ فِي الْأَدَاءِ وَأَدَّى بِشَرْطِ الرُّجُوعِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا ضَمَانَ) أَيْ مَوْجُودٌ، وَتَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْجَرِّ أَيْ وَبِلَا ضَمَانٍ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ الرُّجُوعَ) لَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ سَابِقًا، نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ لِأَنَّهُ هُنَاكَ ضَامِنٌ بِلَا إذْنٍ، فَلَمَّا وُجِدَ هُنَاكَ سَبَبُ الْأَدَاءِ غَيْرَ الْإِذْنِ فِيهِ وَهُوَ كَوْنُ الْأَدَاءِ عَنْ جِهَةِ الضَّمَانِ الَّذِي بِلَا إذْنٍ اُعْتُبِرَ شَرْطُ الرُّجُوعِ وَمِنْ ثَمَّ اُشْتُرِطَ فِي رُجُوعِهِ أَيْضًا الْأَدَاءُ عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ لَا عَنْ الضَّمَانِ، قَوْلُهُ: (إذَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْأَدَاءِ.

قَوْلُهُ: (لِيَحْلِفَ مَعَهُ) عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ لَا بَاعِثَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>