للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْكِنُ الْخَلْطُ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ، وَحِينَئِذٍ قَدْ يَتْلَفُ مَالُ أَحَدِهِمَا أَوْ يَنْقُصُ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ حِينَئِذٍ أَنَّ الشُّرُوطَ أَرْبَعَةٌ: فَقَطْ: الْأَوَّلُ مِنْهَا (أَنْ يَتَّفِقَا) أَيْ الْمَالَانِ (فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ) دُونَ الْقَدْرِ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي التَّفَاوُتِ فِيهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ وَالْخُسْرَانَ عَلَى قَدْرِهِمَا. (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ) بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ لِمَا مَرَّ فِي امْتِنَاعِ الْمُتَقَوِّمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْخَلْطِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَكْفِ إذْ لَا اشْتِرَاكَ حَالَ الْعَقْدِ فَيُعَادُ الْعَقْدُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ إمْكَانِ التَّمْيِيزِ لِنَحْوِ اخْتِلَافِ جِنْسٍ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ وَحِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ وَحِنْطَةٍ عَتِيقَةٍ أَوْ بَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُسْرٌ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ تُسَاوِي الْمِثْلَيْنِ فِي الْقِيمَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ خَلَطَا قَفِيزًا مُقَوَّمًا بِمِائَةِ قَفِيزٍ مُقَوَّمٍ بِخَمْسِينَ صَحَّ وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ أَثْلَاثًا بِنَاءً عَلَى قَطْعِ النَّظَرِ فِي الْمِثْلِيِّ عَنْ تُسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ هَذَا الْقَفِيزُ مِثْلًا لِهَذَا الْقَفِيزِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فِي نَفْسِهِ. وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَعْرِفُ مَالَهُ بِعَلَامَةٍ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُشَاعَ أَقْوَى مِنْ الْمِثْلِيِّ إذَا اخْتَلَطَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ مُشْتَرَكٌ كَمَا سَيَأْتِي، فَقَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ فِي الْمُتَقَوِّمِ أَيْ فِي غَيْرِ مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا لِأَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا، فَلَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ، وَإِلَّا فَالْقِسْمَةُ مُمْكِنَةٌ حِسًّا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إذَا عَلِمْت ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْخَامِسَ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَّفِقَا) الْمَتْنُ: " وَأَنْ يَتَّفِقَا " فَفِيهِ حَذْفُ الْوَاوِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الشَّارِحُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " إذَا عَلِمْت " بِأَنْ يَقُولَ: وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ؛ وَتَكُونُ الْوَاوُ بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ. أَوْ يَقُولُ: " وَالْأَوَّلُ مِنْهَا " بِوَاوٍ حَمْرَاءَ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالنَّوْعُ) بِمَعْنَى مَا يَشْمَلُ الصِّفَةَ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَخْلِطَا) هَلَّا قَالَ اخْتِلَاطٌ إلَخْ لِيَشْمَلَ مَا خَلَطَهُ الْغَيْرُ أَوْ نَحْوُ رِيحٍ، وَحِينَئِذٍ فَخَلْطُ الْأَعْمَى لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَكْفِي اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ الْخَلْطِ الْمَذْكُورِ، لِمَا مَرَّ؛ أَيْ لِنَظِيرِ مَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَكْفِ) إذْ لَا يَنْقَلِبُ الْفَاسِدُ صَحِيحًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِهِمَا اهـ خ ض. قَالَ ع ش: وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مَنْ يُرِيدُ الِاشْتِرَاكَ فِي زِرَاعَةِ الْقَمْحِ مَثَلًا مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَبْذُرُ يَوْمًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ يَوْمًا وَهَكَذَا إلَى تَمَامِ الزِّرَاعَةِ لِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ، فَيَخْتَصُّ كُلٌّ بِمَا يَبْذُرُهُ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ فِيمَا يُقَابِلُهُ. وَطَرِيقُ الصِّحَّةِ أَنْ يَخْلِطَا مَا يُرَادُ بَذْرُهُ ثُمَّ يُبْذَرُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. فَلَوْ جُمِعَ الزَّرْعُ بَعْدَ الْحَصَادِ عِنْدَ الدِّيَاسَةِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ مَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ قَمْحٍ وَتِبْنٍ وَغَيْرِهِمَا عَلَى حَسَبِ الْبَذْرِ اهـ.

قَوْلُهُ: (قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الِاتِّفَاقِ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ. قَوْلُهُ: (قَفِيزًا) قَالَ الشَّاطِبِيُّ: الْقَفِيزُ مِكْيَالٌ بِقَدْرِ ثَمَانِيَةِ مَكَاكِيكَ جَمْعُ مَكُّوكٍ اهـ. وَالْمَكُّوكُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ مِكْيَالٌ وَهُوَ صَاعَانِ وَنِصْفٌ. فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَفِيزَ عِشْرُونَ صَاعًا. وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْفَارِضِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَفِيزَ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي مِصْرِنَا بِالْإِرْدَبِّ، وَذَكَرَ أَنَّ الْقَفِيزَ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لَكِنَّ أَهْلَ مِصْرَ اصْطَلَحُوا عَلَى تَجْزِئَةِ الْأَشْيَاءِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَأَهْلَ الْعِرَاقِ عِشْرِينَ.

قَوْلُهُ: (بِنَاءً) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: صَحَّ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا فَلَيْسَ إلَخْ " أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ النَّظَرُ عَنْ تُسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ بِأَنْ قُلْنَا لَا تَحْصُلُ الْمُمَاثَلَةُ إلَّا إذَا تَسَاوَتْ الْأَجْزَاءُ فِي الْقِيمَةِ بَلْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ، فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا الْقَفِيزُ إلَخْ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ. وَقَوْلُهُ: " فَلَيْسَ " تَعْلِيلٌ لَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى الْعِبَارَةِ أَنَّنَا إذَا قَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ صَحَّتْ الشَّرِكَةُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ فَلَا نَظَرَ لِلْقِيمَةِ. وَهَذَا مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ فَهِيَ بِالنَّظَرِ لِلْقِيمَةِ وَلَا بُدَّ، فَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا " مَرْكَبَةٌ مِنْ " إنْ " الشَّرْطِيَّةِ " وَلَا " النَّافِيَةِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَإِلَّا انْقَطَعَ النَّظَرُ فِي الْمِثْلِيِّ عَنْ تُسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ فَيُشْكِلُ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: " فَلَيْسَ إلَخْ " وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ لَامِ التَّعْلِيلِ، أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْقَفِيزَ لَيْسَ مِثْلًا لِذَلِكَ الْقَفِيزِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فِي نَفْسِهِ؛ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>