التَّمْيِيزِ هَلْ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ نَظَرًا إلَى حَالِ النَّاسِ أَوْ لَا نَظَرًا إلَى حَالِهِمَا؟ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَمَحِلُّ هَذَا الشَّرْطِ إنْ أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا فَإِنْ كَانَ مِلْكًا مُشْتَرَكًا مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ أَوْ لَا كَالْعَرُوضِ بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِالْخَلْطِ حَاصِلٌ، وَمِنْ الْحِيلَةِ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا بَعْضَ عَرَضِهِ بِبَعْضِ عَرَضِ الْآخَرِ كَنِصْفٍ بِنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ بِثُلُثَيْنِ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخَلْطِ حَاصِلٌ بَلْ ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ الْخَلْطِ، لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ هُنَا إلَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَهُنَاكَ وَإِنْ وُجِدَ الْخَلْطُ فَإِنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مُمْتَازٌ عَنْ مَالِ الْآخَرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَمْلِكَانِهِ بِالسَّوِيَّةِ إنْ بِيعَ نِصْفٌ بِنِصْفٍ. فَإِنْ بِيعَ ثُلُثٌ بِثُلُثَيْنِ لِأَجَلِ تَفَاوُتِهِمَا فِي الْقِيمَةِ مَلَكَاهُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ.
(وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ) بَعْدَ الْخَلْطِ، وَفِي هَذَا الشَّرْطِ إشَارَةٌ إلَى الصِّيغَةِ وَهِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ لِمَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَا يُعْرَفُ الْإِذْنُ إلَّا بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: اتَّجِرْ أَوْ تَصَرَّفْ اتَّجِرْ فِي الْجَمِيعِ فِيمَا شَاءَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ فِيمَا شِئْت كَالْقِرَاضِ، وَلَا يَتَصَرَّفُ الْقَائِلُ إلَّا فِي نَصِيبِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَمَكَّنُ) أَيْ الْغَيْرُ، وَهُوَ عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ) فَالشَّرْطُ عَدَمُ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ م ر وَاعْتَمَدَهُ أج. وَقِيلَ: الشَّرْطُ عَدَمُ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ وَالنَّاسِ.
قَوْلُهُ: (أَخْذًا مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ) أَيْ قَوْلِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ، فَعَدَمُ التَّمَيُّزِ شَامِلٌ لِلْعَاقِدَيْنِ وَهَذَانِ يَتَمَيَّزَانِ عِنْدَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَمَحِلُّ هَذَا الشَّرْطِ) وَهُوَ خَلْطُ الْمَالَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَا) بِأَوْ الْعَاطِفَةِ وَلَا النَّافِيَةِ م د.
قَوْلُهُ: (وَشِرَاءٌ) الْوَاوُ بِمَعْنَى: " أَوْ ". قَوْلُهُ: (وَأَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ يَكْفِي الْإِذْنُ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّرِكَةِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّصَرُّفِ وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّقَابُضِ) إنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّقَابُضُ لِيَسْتَقِرَّ الْمِلْكُ، وَمِثْلُ التَّقَابُضِ غَيْرُهُ مِمَّا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ كَعَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ أَوْ كَيْلٍ.
قَوْلُهُ: (فِي التَّصَرُّفِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " يَأْذَنُ ".
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) وَهُوَ عَدَمُ التَّمَيُّزِ. قَوْلُهُ: (وَهُنَاكَ) أَيْ فِي الْمِثْلِيَّاتِ.
قَوْلُهُ: (مُمْتَازٌ) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (مِلْكَانِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ) فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ نَعْجَةً وَلِلثَّانِي ثَلَاثُونَ مِنْ الْمَعْزِ فَبَاعَ صَاحِبُ الْغَنَمِ ثُلُثَهَا بِثُلُثَيْ الْمَعْزِ كَانَ لَهُ فِي كُلٍّ مِنْ النِّعَاجِ وَالْمَعْزِ الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَلَكِنَّ الرِّبْحَ وَالْخُسْرَانَ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ) أَيْ إنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ وَإِلَّا فَيَكْفِي الْإِذْنُ مِنْ غَيْرِ التَّصَرُّفِ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَصَرَّفَ؛ مَرْحُومِيٌّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْخَلْطِ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخَلْطِ قَبْلَ الْعَقْدِ إذْ الْعَقْدُ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (إشَارَةٌ إلَى الصِّيغَةِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ مَجْمُوعَ قَوْلِهِ اشْتَرَكْنَا وَأَذِنَّا فِي التَّصَرُّفِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمَنْهَجِ: وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِإِذْنٍ فِي تِجَارَةٍ، فَيَقْتَضِي أَنَّ الصِّيغَةَ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنْ جُمْلَتِهِ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ؛ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا لَفْظُ قَوْلِهِ أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّهُمْ لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ اشْتَرَكْنَا كَفَى، اهـ. وَعِبَارَةُ سم: فَلَوْ وُجِدَ مُجَرَّدُ الْإِذْنِ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ بِدُونِ صِيغَةِ اشْتَرَكْنَا وَنَحْوِهَا كَفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
قَوْلُهُ: (مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَحُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (لِمَنْ يَتَصَرَّفُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلٍ لِلْآخَرِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِذْنِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ إمَّا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ هُمَا يَكُونُ الْإِذْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ أَحَدَهُمَا يَكُونُ الْإِذْنُ مِنْ الْآخَرِ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ قَالَ الْإِذْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِمَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْأَوَّلُ فِيهِ تَقْدِيرٌ أَيْ الْإِذْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَيَكُونُ حَذْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ رَاجِعًا لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) أَيْ لِأَجْلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، أَمَّا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِي قَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَلَا يَتَوَقَّفُ