الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُوَكِّلِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ نَفِيسًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ خَسِيسًا، ثُمَّ مَحِلُّ بَيَانِ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ التِّجَارَةَ. وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَيَانُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَشَارَ إلَى الْوَكِيلِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَتَوَكَّلُ) فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ فَأَوْ هُنَا تَقْسِيمِيَّةٌ، أَيْ شَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ الْمَأْذُونَ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ تَوَكُّلُهُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ فَلِغَيْرِهِ أَوْلَى، فَلَا يَصِحُّ تَوَكُّلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ، وَلَا تَوَكُّلُ امْرَأَةٍ فِي نِكَاحٍ وَلَا مُحْرِمٍ لِيَعْقِدَهُ إحْرَامهُ وَهَذَا فِي الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ مِنْهَا: لِلْمَرْأَةِ فَتَتَوَكَّلُ فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا وَمِنْهَا السَّفِيهُ وَالْعَبْدُ فَيَتَوَكَّلَانِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ لَا فِي إيجَابِهِ، وَمِنْهَا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فَيَتَوَكَّلُ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مُبَاشَرَتُهُ لَهُ بِلَا إذْنٍ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْوَكِيلِ فَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: وَكَّلْت أَحَدَكُمَا فِي بَيْعِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي بَيْعِ كَذَا مَثَلًا وَكُلُّ مُسْلِمٍ صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ مِنْ مُوَكِّلٍ وَلَوْ بِنَائِبِهِ مَا يُشْعِرُ بِرِضَاهُ، كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ بِعْ كَذَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْأَوَّلُ إيجَابٌ وَالثَّانِي قَائِمٌ مَقَامَهُ. أَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لَفْظًا أَوْ نَحْوَهُ إلْحَاقًا لِلتَّوْكِيلِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالسِّكَّةُ الزُّقَاقُ أَيْ الْعَطْفَةُ؛ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى السِّكَّةِ كَفَى.
قَوْلُهُ: (نَفِيسًا كَانَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ قُيِّدَ بِالنَّفِيسِ قَدْ لَا يَجِدُهُ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُوَكِّلُ فَيُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ.
قَوْلُهُ: (فَأَوْ هُنَا تَقْسِيمِيَّةٌ) اُنْظُرْ أَيْ شَيْءٌ شَامِلٌ لِلتَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ هُنَا حَتَّى تَكُونَ أَوْ تَقْسِيمِيَّةً. وَقَدْ يُقَالُ الْمُقَسَّمُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ بِالنَّفْسِ، أَيْ مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ بِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَأَنْ يَتَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (تَوَكُّلُ صَبِيٍّ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُوَكَّلُ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحٍ) أَيْ لَا إيجَابًا وَلَا قَبُولًا، وَكَذَا الرَّجْعَةُ وَالِاخْتِيَارُ لِلنِّكَاحِ وَالْفِرَاقُ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى. قَوْلُهُ: (وَلَا مَحْرَمَ لِيَعْقِدَهُ) أَيْ النِّكَاحَ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا فِي الْغَالِبِ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى الْعَكْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " وَإِلَّا " كَمَا تَدُلُّ لَهُ الْأَمْثِلَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ الطَّرْدِ وَلَعَلَّهُ لِعِلْمِهِ مِنْ بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ فَرَاجِعْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْعَكْسُ. قَوْلُهُ: (فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا) أَمَّا تَوْكِيلُهَا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا، فَسَيَأْتِي أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَا تَوْكِيلٌ. قَوْلُهُ: (لَا فِي إيجَابِهِ) أَيْ مُطْلَقًا بِإِذْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَنَّ الْإِيجَابَ وِلَايَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، بِخِلَافِ الْقَبُولِ.
قَوْلُهُ: (وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَقَالَتْ لِرَجُلٍ: سَيِّدِي أَهْدَانِي إلَيْك، وَصَدَقَهَا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَلَوْ بِالِاسْتِمْتَاعِ وَالْوَطْءِ ق ل وحج؛ أَيْ وَلَوْ رَجَعَتْ وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا لِاتِّهَامِهَا فِي إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهَا. وَخَرَجَ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهَا مَا لَوْ كَذَّبَهَا السَّيِّدُ، فَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ وَطْءُ الْمُهْدَى إلَيْهِ وَطْءَ شُبْهَةٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ السَّيِّدَ بِدَعْوَاهُ ذَلِكَ يَدَّعِي زِنَاهَا وَالزَّانِيَةُ لَا مَهْرَ لَهَا، وَلَا الْحَدُّ أَيْضًا لِلشُّبْهَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا أَيْضًا لِزَعْمِهَا أَنَّ السَّيِّدَ أَهْدَاهَا وَأَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ لِظَنِّهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ عَلَى السَّيِّدِ بِزَعْمِهِ، وَأَمَّا لَوْ وَافَقَهَا السَّيِّدُ عَلَى الشُّبْهَةِ كَأَنْ قَالَ: أَهْدَيْتهَا لِرَجُلٍ مُوَافِقٍ لَك فِي الِاسْمِ فَظَنَّتْ أَنَّهُ أَنْتَ، فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْمَهْرِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ سَيِّدِهَا الْوَاهِبِ، وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى إهْدَائِهَا لَهُ كَعَالِمٍ أَوْ صَالِحٍ؟ حَرَّرَهُ مَيْدَانِيٌّ. قُلْت: تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مُسْلِمٍ) الظَّاهِرُ تَنَاوُلُ مَا ذُكِرَ لِلْمُسْلِمِينَ الْمَوْجُودِينَ وَالْحَادِثِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يَنْعَزِلُونَ إذَا عُزِلَ الْوَكِيلُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ فَقَطْ، شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) أَيْ عَمَلُ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ زي؛ أَيْ فَيَكُونُ كُلُّ مُسْلِمٍ وَكِيلًا عَنْهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ وَكَّلْتُك فِي هَذَا وَكُلِّ أُمُورِي حَيْثُ لَا يَصِحُّ أَنَّ الْإِبْهَامَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْفَاعِلِ وَفِي الثَّانِي فِي الْمُوَكَّلِ فِيهِ، وَيُغْتَفَرُ فِي الْأَوَّلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الثَّانِي ح ل.
قَوْلُهُ: (كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا) أَوْ فَوَّضْت إلَيْك كَذَا، سَوَاءً كَانَ مُشَافَهَةً لَهُ أَوْ كِتَابَةً أَوْ مُرَاسَلَةً. وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهَا، فَلَوْ وَكَّلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ صَحَّتْ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ