للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ. (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي (حَقُّ الْآدَمِيِّ) إذَا أَقَرَّ بِهِ (لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ، إلَّا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الْمُقَرِّ لَهُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الْمُقِرِّ فَقَالَ: (وَتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ) فِي الْمُقِرِّ (إلَى ثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ: (الْبُلُوغُ) فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَنْ هُوَ دُونَ الْبُلُوغِ وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ، فَإِنْ ادَّعَى بُلُوغًا بِإِمْنَاءٍ مُمْكِنٍ بِأَنْ اسْتَكْمَلَ تِسْعَ سِنِينَ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ فُرِضَ ذَلِكَ فِي خُصُومَةٍ بِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ مَثَلًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهَا لِأَنَّ يَمِينَ الصَّغِيرِ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ. وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ فَبَلَغَ مَبْلَغًا يُقْطَعُ فِيهَا بِبُلُوغِهِ قَالَ الْإِمَامُ: فَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ، وَكَالْإِمْنَاءِ فِي ذَلِكَ الْحَيْضُ. (وَ) الثَّانِي (الْعَقْلُ) فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِعُذْرٍ كَشُرْبِ دَوَاءٍ وَإِكْرَاهٍ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمْ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ السَّكْرَانِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ إقْرَارٍ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ اُعْتُبِرَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ الْحَاكِمِ اهـ مَدَابِغِيٌّ. فَإِنْ اسْتَنَدَ الْحُكْمُ إلَى الْإِقْرَارِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ اسْتَنَدَ لِلْبَيِّنَةِ لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ كَذَّبَ رُجُوعَهُ، قَالَ الدَّارِمِيُّ: لَا يُقْطَعُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ قَالَ: لَا تَحُدُّونِي، فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ لِنَفْيِ الْحَدِّ احْتِمَالَانِ، قَالَ سم: وَلَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي أَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ أَوْ هَرَبَ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ لَكِنْ يُكَفُّ عَنْهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ رَجَعَ فَلَا حَدَّ وَإِلَّا حُدَّ، فَإِنْ لَمْ يُكَفَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ. قَالَ سم: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْإِقْرَارُ فَأَسْقَطَهُ بِالرُّجُوعِ جَازَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَةِ بِشَرْطِهَا، وَقَدْ يَتَّجِهُ حَيْثُ لَمْ يُسْنِدْ الْحُكْمَ إلَى خُصُوصِ أَحَدِهِمَا اعْتِبَارُ الْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ لِقَبُولِ الرُّجُوعِ عَنْهُ، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ فِيهِ أَقْوَى وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَالْمُسْتَنَدُ إلَيْهِ مُطْلَقًا اهـ.

قَوْلُهُ: (بِمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى " فِي " فَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ الْمُوجِبِ لِلْمَهْرِ وَالْحَدِّ يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَدِّ لَا لِلْمَهْرِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ بِالنِّسْبَةِ لِقَطْعِ يَدِهِ لَا لِغُرْمِ الْمَالِ.

قَوْلُهُ: (وَحَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ) نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فِي الرُّجُوعِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ رَجَعَ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ أَوْ ادَّعَى جَارِيَةً وَحُكِمَ لَهُ بِهَا بِيَمِينِهِ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ كَذَّبَ نَفْسَهُ وَقَالَ: لَيْسَتْ لِي، وَصَدَّقَتْهُ الْجَارِيَةُ، لَمْ تَبْطُلْ الْحُرِّيَّةُ فِي الْأُولَى وَلَا يُحْكَمُ بِرِقِّ الْوَلَدِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا تُرَدُّ الْجَارِيَةُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.

قَوْلُهُ: (وَتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ) أَيْ سَوَاءً كَانَ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ الْآدَمِيِّ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمُقِرِّ) " فِي " بِمَعْنَى " مِنْ " وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِصِحَّةٍ. قَوْلُهُ: (بِإِمْنَاءٍ) أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ فَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا لِإِمْكَانِهَا وَسُهُولَتِهَا، فَلَوْ أَطْلَقَ دَعْوَى الْبُلُوغِ فَيُسْتَفْسَرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَعَقَّبَهُ م ر بِأَنَّهُ يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَيُحْمَلُ عَلَى الْبُلُوغِ بِالْإِمْنَاءِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى بَيِّنَةٍ، فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْبَيِّنَةُ رَجُلَانِ، نَعَمْ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِوِلَادَتِهِ يَوْمَ كَذَا قُبِلَتْ وَثَبَتَ بِهَا السِّنُّ تَبَعًا م ر.

قَوْلُهُ: (صُدِّقَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْإِمْنَاءِ الْمُمْكِنِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِمْنَاءِ الْمُمْكِنِ؛ وَمَحِلُّهُ فِيمَا لَا مُزَاحِمَةَ فِيهِ، أَمَّا مَا فِيهِ مُزَاحِمَةٌ كَطَلَبِ سَهْمِ الْمُغَازَاةِ فَيَحْلِفُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " صُدِّقَ " وَقَوْلُهُ " وَلِأَنَّهُ إلَخْ " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَلَا يَحْلِفُ ".

قَوْلُهُ: (لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ) أَيْ الْمُنَازَعَةِ فِي كَوْنِهِ بَلَغَ أَوْ لَا بِتَحَقُّقِ الْبُلُوغِ وَبِالْوُصُولِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَحْلِفُ أَنَّهُ كَانَ مُتَّصِفًا بِهَا حَالَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا حَاجَةَ لِلْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَا يُطْلَبُ إلْجَاؤُهُ إلَى الْكَذِبِ. قَوْلُهُ: (وَكَالْإِمْنَاءِ فِي ذَلِكَ الْحَيْضُ) أَيْ فَتُصَدَّقُ وَلَا تَحْلِفُ، نَعَمْ لَوْ عَلَّقَ زَوْجُهَا طَلَاقَهَا بِحَيْضِهَا فَادَّعَتْهُ فَلَا بُدَّ لِوُقُوعِهِ مِنْ تَحْلِيفِهَا إذَا اتَّهَمَهَا اهـ م د.

قَوْلُهُ: (وَسَيَأْتِي حُكْمُ السَّكْرَانِ) وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، أَيْ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>