للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ. (وَ) الثَّالِثُ (الِاخْتِيَارُ) فَلَا يَصِحُّ، وَيُمْكِنُ: إقْرَارُ مُكْرَهٍ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] جَعَلَ الْإِكْرَاهَ مُسْقِطًا لِحُكْمِ الْكُفْرِ فَبِالْأَوْلَى مَا عَدَاهُ.

وَصُورَةُ إقْرَارِهِ أَنْ يُضْرَبَ لِيُقِرَّ، فَلَوْ ضُرِبَ لِيَصْدُقَ فِي الْقَضِيَّةِ فَأَقَرَّ حَالَ الضَّرْبِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكْرَهًا إذْ الْمُكْرَهُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا إنَّمَا ضُرِبَ لِيَصْدُقَ. وَلَا يَنْحَصِرُ الصِّدْقُ فِي الْإِقْرَارِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ. وَالْوُلَاةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَأْتِيهِمْ مَنْ يُتَّهَمُ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَيَضْرِبُونَهُ لِيُقِرَّ بِالْحَقِّ وَيُرَادُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ سَوَاءً أَقَرَّ فِي حَالِ ضَرْبِهِ أَمْ بَعْدَهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَضُرِبَ ثَانِيًا انْتَهَى. وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ. (وَإِنْ كَانَ) بِحَقِّ آدَمِيٍّ كَإِقْرَارِهِ (بِمَالٍ) أَوْ نِكَاحٍ (اُعْتُبِرَ فِيهِ) مَعَ مَا تَقَدَّمَ (شَرْطٌ رَابِعٌ) أَيْضًا (وَهُوَ الرُّشْدُ) فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ سَفِيهٍ بِدَيْنٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، نَعَمْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْبَاطِنِ فَيَغْرَمُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ إنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْعَقْلُ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مُكْرَهٍ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ م ر، قَالَ سم: اُنْظُرْ مَا صُورَةُ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ، قَالَ شَيْخُنَا وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ فَلِلْقَاضِي إكْرَاهُهُ عَلَى الْبَيَانِ وَهُوَ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (وَصُورَةُ إقْرَارِهِ) أَيْ الْمُكْرَهِ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِإِقْرَارِهِ أَنْ يُضْرَبَ لِيُقِرَّ لَا أَنْ يَضْرِبَ لِيَصْدُقَ، فَإِنَّ هَذَا يُعْتَدُّ بِإِقْرَارِهِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يُسْأَلَ فَلَا يُجِيبُ بِشَيْءٍ نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا، فَيُضْرَبُ حِينَئِذٍ لِيَتَكَلَّمَ بِالصِّدْقِ، فَإِذَا أَجَابَ بِشَيْءٍ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا حَرُمَ التَّعَرُّضُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَالْكَلَامُ فِي الْإِقْرَارِ وَأَمَّا الضَّرْبُ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا م د.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْحَصِرُ الصِّدْقُ فِي الْإِقْرَارِ) بَلْ يَكُونُ فِي عَدَمِهِ كَقَوْلِهِ: لَيْسَ عِنْدِي مَا ادَّعَيْت بِهِ.

قَوْلُهُ: (لِيُقِرَّ بِالْحَقِّ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ لَا الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِلْوَاقِعِ.

قَوْلُهُ: (وَيُرَادُ بِذَلِكَ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ وَبِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ أَيْ بِضَرْبِهِ. قَوْلُهُ: (الْإِقْرَارُ بِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ) فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ. وَأَمَّا لَوْ أُرِيدَ بِالْحَقِّ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالْوَاقِعِ فَأَخْبَرَ بِمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ فَيُعْمَلُ بِهِ. وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا إكْرَاهٍ وَاخْتِيَارٍ قُدِّمَتْ الْأُولَى لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ زَالَ الْإِكْرَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ فَتَقَدَّمَ كَمَا فِي الْعُبَابِ، قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ. وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا وَقْتَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تَصْدِيقِهِ كَحَبْسٍ وَتَرْسِيمٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَلَا بِرْمَاوِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. وَالتَّرْسِيمُ التَّضْيِيقُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَذْهَبَ مِنْ مَحِلٍّ إلَى الْآخَرِ.

قَوْلُهُ: (سَوَاءً أَقَرَّ إلَخْ) وَسَوَاءً أَضُرِبَ لِيُقِرَّ أَوْ لِيَصْدُقَ، فَمَحِلُّ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ مَا لَمْ يَكُنْ مُرَادُ الْمُكْرِهِ طَلَبَ الْإِقْرَارِ بِمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الضَّرْبُ إكْرَاهًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ بِمَالٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ عَامٌّ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْآدَمِيِّ وَخَاصٌّ بِالْمَالِ، وَالشَّارِحُ صَرَفَهُ عَنْهُمَا فَزَادَ عَلَى الْمَالِ النِّكَاحَ وَخَصَّهُ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ، فَلَوْ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى. وَالْعُمُومُ مُرَادٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّشْدُ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْ الْوَلِيِّ لِلْقَدْرِ الْمَدْفُوعِ وَالشَّخْصِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نِكَاحٍ) أَيْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ.

قَوْلُهُ: (الرُّشْدُ) الْمُرَادُ بِهِ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ، فَيَشْمَلُ الرَّشِيدَ حَقِيقَةً وَالسَّفِيهَ الْمُهْمَلَ وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ بَذَّرَ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ سَفِيهٍ) أَيْ سَوَاءً بَلَغَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِمَالِهِ وَدَيْنِهِ أَوْ بَلَغَ مُصْلِحًا وَبَذَّرَ وَحَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. (بِدَيْنٍ) أَيْ وَلَا بِعَيْنٍ، وَأَمَّا الْمُفْلِسُ فَيَصِحُّ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي أَعْيَانِ مَالِهِ؛ كَذَا قِيلَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَنْهَجِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ أَيْ الْمُفْلِسِ بِعَيْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ بِدَيْنٍ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ لِمَا قَبْلَ الْحَجْرِ اهـ.

وَقَالَ الْحَلَبِيُّ: أَمَّا الْمُفْلِسُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِعَيْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَلَوْ بَعْدَ الْحَجْرِ أَوْ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ أَوْ إتْلَافٍ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ لِمَا قَبْلَ الْحَجْرِ. وَأَمَّا السَّفِيهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ دُونَ غَيْرِهَا اهـ. وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْمُفْلِسِ أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>