تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ لَغْوٌ ضَعِيفٌ. وَمِنْهَا عَدَمُ تَكْذِيبِهِ لِلْمُقِرِّ فَلَوْ كَذَّبَهُ فِي إقْرَارِهِ لَهُ بِمَالٍ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تُشْعِرُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا، وَسَقَطَ إقْرَارُهُ بِمُعَارَضَةِ الْإِنْكَارِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ بَعْدَ التَّكْذِيبِ قَبْلَ رُجُوعِهِ سَوَاءً أَقَالَ غَلِطْت فِي الْإِقْرَارِ أَمْ تَعَمَّدْت الْكَذِبَ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ التَّكْذِيبِ لَمْ يُقْبَلْ فَلَا يُعْطَى إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ.
وَأَمَّا شُرُوطُ الصِّيغَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ، وَفِي مَعْنَاهُ الْكِتَابَةُ مَعَ النِّيَّةِ وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٌ كَقَوْلِهِ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي كَذَا. أَمَّا لَوْ حَذَفَ " عَلَيَّ " أَوْ " عِنْدِي " لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنًا كَهَذَا الثَّوْبُ فَيَكُونُ إقْرَارًا وَعَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ، وَمَعِي أَوْ عِنْدِي لِلْعَيْنِ. وَجَوَابُ لِي عَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ بِبَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهَا أَوْ نَحْوُهَا كَأَبْرَأْتَنِي مِنْهُ، إقْرَارٌ كَجَوَابِ اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي عَلَيْك بِنَعَمْ، أَوْ بِقَوْلِهِ أَقْضِي غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي أَوْ حَتَّى أَفْتَحَ الْكِيسَ أَوْ أَجِدَ الْمِفْتَاحَ مَثَلًا أَوْ نَحْوَهَا كَابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ لَا جَوَابُ ذَلِكَ بِزِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسِك أَوْ أَنَا مُقِرٌّ أَوْ أُقِرُّ بِهِ أَوْ نَحْوَهَا كَهِيَ صِحَاحٌ أَوْ رُومِيَّةٌ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِنْ أَسْنَدَ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَمَا وَقَعَ) مُبْتَدَأً، وَقَوْلُهُ " ضَعِيفٌ " خَبَرٌ. وَقَوْلُهُ " مِنْ أَنَّهُ " بَيَانٌ لِمَا أَوْ بَدَلٌ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ " لَغْوٌ " خَبَرُ " أَنَّ " وَإِذَا أَسْنَدَهُ إلَخْ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ لَغْوٌ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ضَعِيفٌ) هُوَ الضَّعِيفُ، فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَغْوٌ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا قَالَهُ سم.
قَوْلُهُ: (تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ) إنْ كَانَ عَيْنًا وَلَمْ يُطَالَبْ بِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ رَجَعَ) أَيْ الْمُقِرُّ إلَخْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لَا حَاجَةَ لِهَذَا لِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ بِمُعَارَضَةِ الْإِنْكَارِ اهـ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ حَذَفَ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِهِمَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَاهُ مُسْقِطًا إذَا كَانَ مُقِرًّا بِعَيْنٍ كَمَا إذَا طُلِبَ مِنْهُ الْعَيْنُ فَقَالَ: كَانَتْ وَدِيعَةً وَتَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَلِبَعْضِهِمْ:
عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ ... مَعِي وَعِنْدِي يَا فَتَى لِلْعَيْنِ
وَقِبَلِي إنْ قُلْته فَمُحْتَمِلْ ... لِلدَّيْنِ مَعَ عَيْنٍ كَمَا عَنْهُمْ نُقِلْ
قَوْلُهُ: (بِبَلَى أَوْ نَعَمْ) وَفِي نَعَمْ وَجْهٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ تَصْدِيقٌ لِلنَّفْيِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ، بِخِلَافِ " بَلَى " فَإِنَّهَا رَدٌّ لَهُ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَلِهَذَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي آيَةِ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] لَوْ قَالُوا نَعَمْ لَكَفَرُوا. وَرُدَّ هَذَا الْوَجْهُ بِأَنَّ الْأَقَارِيرَ وَنَحْوَهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ اللَّفْظِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ شَرْحُ م ر، وَلِبَعْضِهِمْ:
بَلَى تُقَرِّرُ الِاسْتِفْهَامَ مِثْلَ نَعَمْ ... لَكِنْ جَوَابُ بَلَى فِي النَّفْيِ إثْبَاتُ
قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَهَا) كَمُرَادِفِ نَعَمْ وَهُوَ جَيْرَ وَأَجَلْ وَإِي اهـ ز ي.
قَوْلُهُ: (كَجَوَابِ اقْضِ الْأَلْفَ إلَخْ) جَعَلَ هَذِهِ مُشَبَّهَةً بِمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَضُمَّهَا إلَيْهَا كَأَنْ يَقُولَ: وَاقْضِ الْأَلْفَ إلَخْ لِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا، وَمَا قَبْلَهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَنَا مُقِرٌّ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْإِقْرَارِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ) هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَلَيْسَ إقْرَارًا بَلْ مَا عَدَا الْخَامِسَ وَالسَّادِسَ لَيْسَ إقْرَارًا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَالْخَامِسُ مُحْتَمِلٌ لِلْإِقْرَارِ بِغَيْرِ الْأَلْفِ كَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَالسَّادِسُ لِلْوَعْدِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ بَعْدُ اهـ، أَيْ وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ