يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ، وَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْمُعَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إنَّمَا تَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، فَتَصِحُّ مِنْ مُكْتِرٍ لَا مِنْ مُسْتَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَ الْإِبَاحَةِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَعِيرِ تَعْيِينٌ وَإِطْلَاقُ تَصَرُّفٍ، فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَنْ قَالَ: أَعَرْت أَحَدَكُمَا. وَلَا لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ إلَّا بِعَقْدِ وَلِيِّهِمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَارِيَّةُ مُضَمَّنَةً، كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ. وَلِلْمُسْتَعِيرِ إنَابَةُ مَنْ يَسْتَوْفِي لَهُ الْمَنْفَعَةَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْإِذْنِ فِي الِانْتِفَاعِ كَأَعَرْتُكَ، أَوْ بِطَلَبِهِ كَأَعِرْنِي مَعَ لَفْظِ الْآخَرِ أَوْ فِعْلِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ وَعَلِمَ رِضَا وَلِيِّهِ جَازَ. وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ فِي خِدْمَةٍ لَهَا أُجْرَةٌ أَوْ تَضُرُّ بِهِ الْخِدْمَةُ كَمَا لَا يُعِيرُ مَالَهُمَا بِخِلَافِ خِدْمَةٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، كَأَنْ يُعِيرَهُ لِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَجْنُونُ وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ كَذَلِكَ،. اهـ. رَوْضٌ وَشَرْحُهُ. فَرْعٌ: لَوْ أَرْسَلَ بَالِغٌ صَبِيًّا لِيَسْتَعِيرَ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ هُوَ وَلَا مُرْسِلُهُ؛ كَذَا فِي الْجَوَاهِرِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ أَيْ الْمُرْسِلِ وَنَظَرَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ وَالنَّظَرُ وَاضِحٌ إذْ الْإِعَارَةُ مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ تَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ، فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ رَسُولٌ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَكَتَبَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى قَوْلِهِ " فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ إلَخْ ". أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَقْتَضِي تَسْلِيطَ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْإِتْلَافِ أَيْ فَيَضْمَنُ فِيهِ لَا فِي التَّلَفِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَفَلَسٍ) أَيْ إلَّا زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ ق ل، كَإِعَارَةِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ زَمَنًا يَسِيرًا. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَلَوْ لِنَحْوِ دَارِهِ يَوْمًا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ، خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ مُطْلَقًا وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ حَيْثُ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ.
قَوْلُهُ: (مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْمُعَارِ) الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ مَا يَشْمَلُ الِاخْتِصَاصَ بِهَا لِتَصْحِيحِهِمْ إعَارَةَ كَلْبٍ لِصَيْدٍ وَإِعَارَةِ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ وَلَوْ مَنْذُورَيْنِ، وَإِعَارَةِ الْإِمَامِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ ز ي أج. وَإِذَا أَعَارَ الْأُضْحِيَّةَ وَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ. وَيُلْغَزُ بِهَذَا فَيُقَالُ: لَنَا مُعِيرٌ يَضْمَنُ سم.
قَوْلُهُ: (لَا مِنْ مُسْتَعِيرٍ) هَذَا مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَالِكُ مَنْ يُعِيرُ لَهُ فَالْأَوَّلُ عَلَى عَارِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعِيرُ لِلثَّانِي وَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عَلَيْهِ بَرِيءَ أَيْ الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبَاقٍ عَلَى الضَّمَانِ، وَإِنْ سَمَّاهُ انْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ اهـ خ ض وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْعَيْنِ؛ وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَا إذَا كَانَ نَاظِرًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. .
قَوْلُهُ: (تَعْيِينٌ) سَكَتَ عَنْ هَذَا فِي الْمُعِيرِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ كَالْمُعَارِ، فَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: لِيُعِرْنِي أَحَدُكُمَا كَذَا فَدَفَعَهُ أَحَدُهُمَا لَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ صَحَّ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ بِأَنَّ الدَّفْعَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِضًا بِإِتْلَافِ مَنْفَعَةِ مَتَاعِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَصِحُّ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا لِصَبِيٍّ إلَخْ) وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إنْ أَخَذُوا مِنْ رَشِيدٍ وَإِلَّا ضَمِنُوا. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ إلَخْ فَيَضْمَنُهَا مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَارِيَّةُ مُضَمَّنَةً) أَيْ فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَحْجُورِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُضَمَّنَةِ كَالَّتِي مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْوَلِيِّ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمَانِ الْمَحْجُورِ لَوْ تَلِفَتْ. مَسْأَلَةٌ: فِي جَمَاعَةٍ مُشْتَرِكِينَ فِي سَاقِيَّةٍ أَوْ دِرَاسٍ أَوْ حَرْثٍ، فَهَلْ إذَا مَاتَتْ بَهِيمَةُ أَحَدِهِمْ فِي شُغْلِ ذَلِكَ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ؟ وَهَلْ إذَا كَانَ لِكُلِّ شَرِيكٍ حَيَوَانٌ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ أَجَابَ إذَا أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَوْرَ الْآخَرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ غَاصِبٌ لَهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ ثَوْرِهِ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَإِذَا مَاتَ لَا يَضْمَنُهُ.