أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْإِبَاحَةِ، وَفِي مَعْنَى اللَّفْظِ الْكِتَابَةُ مَعَ نِيَّةِ وَإِشَارَةِ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٍ. وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُك فَرَسِي مَثَلًا لِتَعْلِفَهُ بِعَلَفِك أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَك فَهُوَ إجَارَةٌ لَا إعَارَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَالْعِوَضِ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَمُؤْنَةَ رَدِّ الْمُعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ مَالِكٍ أَوْ مِنْ نَحْوِ مُكْتَرٍ إنْ رَدَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَى الْمُكْتَرِي. وَخَرَجَ بِمُؤْنَةِ رَدِّهِ مُؤْنَتُهُ فَتَلْزَمُ الْمَالِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَإِنْ خَالَفَ الْقَاضِي، وَقَالَ: إنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.
وَتَصِحُّ (الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِزَمَنٍ (وَمُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ) كَشَهْرٍ فَلَا يُفْتَرَقُ الْحَالُ بَيْنَهُمَا. نَعَمْ الْمُؤَقَّتَةُ يَجُوزُ فِيهَا تَكْرِيرُ الْمُسْتَعِيرِ مَا اسْتَعَارَ لَهُ، فَإِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ أَوْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ، وَفِي الْمُطْلَقَةِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ قَلَعَ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ إعَادَتُهُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ إلَّا إنْ صَرَّحَ لَهُ بِالتَّجْدِيدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُؤَقَّتَةً لِكُلٍّ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ رُجُوعٌ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَتَنْفَسِخُ بِمَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْوَكَالَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ رُجُوعِ الْمُعِيرِ مَا إذَا أَعَارَ أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ مُحْتَرَمٍ، فَلَا يَرْجِعُ الْمُعِيرُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ وَامْتَنَعَ أَيْضًا عَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لَفْظٌ يُشْعِرُ إلَخْ) يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَسَلَّمَهُ لَهُ الْبَائِعُ فِي ظَرْفٍ فَالظَّرْفُ مُعَارٌ فِي الْأَصَحِّ، وَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْهَدِيَّةَ فِي ظَرْفِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فِيهَا، وَهُوَ مُعَارٌ، فَيَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ إلَّا إذَا كَانَ لِلْهَدِيَّةِ عِوَضٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمَا ذَكَرَ ضَمَّنَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ سُلْطَانٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّرْفَ أَمَانَةٌ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ مُطْلَقًا، وَمَغْصُوبٌ بِالِاسْتِعْمَالِ الْغَيْرِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا، وَعَارِيَّةٌ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ عِوَضٌ وَإِلَّا فَمُؤَجَّرٌ إجَارَةً فَاسِدَةً اهـ وَيُؤْخَذ مِنْ هَذَا حُكْمُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُرِيدَ الشِّرَاءِ يَدْفَعُ ظَرْفَهُ لِزَيَّاتٍ مَثَلًا فَيَتْلَفُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ وَضْعِ الْمَبِيعِ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وَضْعِ الْمَبِيعِ فِيهِ ضَمَّنَهُ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ اهـ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا) أَيْ وَإِنْ تَرَاخَى وَإِلَّا فَالتَّأَخُّرُ مَوْجُودٌ قَطْعًا. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْإِبَاحَةِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَتَوَقَّفُ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ عَلَى لَفْظٍ وَلَا فِعْلٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر.
قَوْلُهُ: (نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى) رَاجِعٌ لِلْإِجَارَةِ الْمُثْبَتَةِ وَالْإِعَارَةُ الْمَنْفِيَّةُ، وَقَوْلُهُ " فَاسِدَةٌ " صِفَةٌ لِ " إجَارَةٌ ". وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ " فَاسِدَةٌ " عَلَى قَوْلِهِ " لَا إعَارَةٌ ".
قَوْلُهُ: (لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ) عِبَارَةُ م ر لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ مَعَ التَّعْلِيقِ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ " وَالْعِوَضِ " أَيْ فِي الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) وَلَا تُضْمَنُ الْعَيْنُ وَيَرْجِعُ بِالْعَلَفِ عَلَى صَاحِبِ الْفَرَسِ لِعَدَمِ تَبَرُّعِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِكٍ) أَيْ اسْتَعَارَ مِنْ مَالِكٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ نَحْوِ مُكْتِرٍ) نَحْوَ الْمُكْتَرِي الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ " إنْ رَدَّ عَلَيْهِ " أَيْ عَلَى نَحْوِ الْمُكْتَرِي، وَقَوْلُهُ " فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ " أَيْ الْمَالِكِ، وَقَوْلُهُ " كَمَا لَوْ وَرَدَ عَلَى الْمُكْتَرِي " أَيْ فَإِنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ، أَيْ وَالْمُسْتَعِيرُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُسْتَأْجِرِ، أَيْ وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ. وَفِي ق ل عَلَى الْغَزِّيِّ: وَلَا ضَمَانَ فِي الدَّابَّةِ أَيْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ وَلَوْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَلَا مُؤْنَةُ رَدِّهَا. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ أَيْضًا عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُسْتَعِيرَ الدَّابَّةِ إذَا نَزَلَ عَنْهَا بَعْدَ رُكُوبِهِ لَهَا يُرْسِلُهَا مَعَ تَابِعِهِ فَيَرْكَبُهَا التَّابِعُ فِي الْعَوْدِ ثُمَّ تَتْلَفُ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَهَلْ يَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ أَمْ التَّابِعُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ وَإِنْ رَكِبَهَا فَهُوَ فِي حَاجَةِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ إيصَالِهَا إلَى مَحَلِّ الْحِفْظِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أُجْرَةَ الْمُعَدِّيَةِ أَوْ مَنْ يَسُوقُهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ دُونَ الْمُعِيرِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ الْقَاضِي وَقَالَ إلَخْ) قَوْلُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ فَلَوْ عَلَفَهَا الْمُسْتَعِيرُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا إنْ عَلَفَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ إشْهَادٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ إلَخْ) اسْتِئْنَافٌ. قَوْلُهُ: (مَيِّتٍ مُحْتَرَمٍ) وَهُوَ كُلُّ مَنْ وَجَبَ دَفْنُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ