يَشْرِطْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنْ اخْتَارَهُ الْمُسْتَعِيرُ قَلَعَ مَجَّانًا وَلَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ قَلْعَهُ خُيِّرَ الْمُعِيرُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ وَهِيَ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدٍ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحَقِّ الْقَلْعِ حِينَ التَّمَلُّكِ، أَوْ قَلْعِهِ بِضَمَانِ أَرْشِ نَقْصِهِ أَوْ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْمُعِيرُ شَيْئًا تُرِكَا حَتَّى يَخْتَارَ أَحَدُهُمَا مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيْعُ مِلْكِهِ مِمَّنْ شَاءَ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ إدْرَاكِ زَرْعٍ لَمْ يُعْتَدْ قَلْعُهُ لَزِمَهُ تَبْقِيَتُهُ إلَى قَلْعِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرِكْ فِيهَا لِتَقْصِيرٍ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا كَمَا لَوْ حَمَلَ نَحْوُ سَيْلٍ كَهَوَاءٍ بَذْرًا إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فِيهَا فَإِنَّ لَهُ قَلْعَهُ مَجَّانًا.
(وَهِيَ) أَيْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ (مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ كَتَلَفِهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَلَعَ مَجَّانًا) أَيْ فَلَا يَغْرَمُ لَهُ الْمُعِيرُ أَرْشَ مَا نَقَصَ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ. قَوْلُهُ: (تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) أَيْ الْحَفْرُ الْحَاصِلَةُ بِالْقَلْعِ دُونَ الْحَاصِلَةِ بِالْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ لِحُدُوثِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَلَعَهُ بِضَمَانٍ) أَيْ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (أَرْشِ نَقْصِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ وَمَقْلُوعًا، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مُسْتَحَقَّ الْإِبْقَاءِ عَشَرَةً وَمُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ تِسْعَةً وَمَقْلُوعًا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ وَاحِدٌ، فَإِذَا تَمَلَّكَهُ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَأُجْرَةُ الْقَلْعِ عَلَى الْمُعِيرِ وَأُجْرَةُ نَقْلِ النَّقْضِ عَلَى مَالِكِهِ س ل، وَكَذَا أُجْرَةُ نَقْلِ الْمَغْرُوسِ. وَإِذَا اخْتَارَ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ مُوَافَقَتُهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَخْتَارَ أَحَدُهُمَا مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ) فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقَلْعُ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُخَيَّرًا؟ قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ تَبْقِيَتُهُ) أَيْ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ انْقَطَعَتْ بِالرُّجُوعِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَهَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى عَقْدِ إيجَارٍ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ أَمْ يَكْفِي مُجَرَّدُ اخْتِيَارِ الْمُعِيرِ فَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ بِمُجَرَّدِهِ؟ الْوَجْهُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدِ إيجَارٍ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي فَتْوَى وَاسْتَدَلَّ مِنْ كَلَامِهِمْ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنْ عَقَدَ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً) أَيْ قَبْلَ إدْرَاكِهِ.
قَوْلُهُ: (قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَزْرَعَ.
قَوْلُهُ: (بَذْرًا) اسْمٌ لِمَا يَشْمَلُ الْحَبَّ وَالنَّوَى وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْمَبْذُورُ؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَبْذُورًا، فَفِيهِ مَجَازٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: إطْلَاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِمَا سَيَصِيرُ إلَيْهِ زي.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَيْنُ) هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَإِلَّا فَالضَّمِيرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَائِدٌ عَلَى الْإِعَارَةِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى؛ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا الْعَارِيَّةَ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَأَعَادَ عَلَيْهَا الضَّمِيرَ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُعَارِ قَوْلُهُ: (مَضْمُونَةٌ) بَدَلًا وَأَرْشًا وَإِنْ شَرَطَا عَدَمَ ضَمَانِهَا. قَالَ الْقَفَّالُ: وَلَوْ أَخَذَ الْكُوزَ مِنْ السِّقَاءِ لِيَشْرَبَ فَانْكَسَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَالْمَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ وَالْكُوزُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ عِوَضًا فَالْمَاءُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ وَالْكُوزُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْعُرْفُ يَقْتَضِي الْبَدَلَ لِجَرَيَانِهِ بِهِ، فَإِنْ انْكَسَرَ الْكُوزُ بَعْدَ الشُّرْبِ فَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَمْ يَضْمَنْ الْكُوزَ وَلَا بَقِيَّةَ الْمَاءِ الْفَاضِلَةِ فِي الْكُوزِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ الْقَدْرُ الَّذِي شَرِبَهُ دُونَ الْبَاقِي فَيَكُونُ الْبَاقِي أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الْعِوَضَ فَالْكُوزُ مَضْمُونٌ وَالْمَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي فِنْجَانِ الْقَهْوَةِ؛ اهـ ابْنُ الْعِمَادِ فِي أَحْكَامِ الْأَوَانِي وَالظُّرُوفِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَظْرُوفِ. فَرْعٌ: لَوْ اسْتَعَارَ قِنْدِيلًا لِلِاسْتِضَاءَةِ بِزِينَتِهِ فَالْقِنْدِيلُ مَضْمُونٌ بِالْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ وَالزَّيْتُ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِيَقْضِيَ بِهِ حَاجَتَهُ وَيَرُدَّهُ فَالْقَدْرُ الزَّائِدُ مِنْ الزَّيْتِ عَلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ إذَا فَرَّطَ، وَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِيَقْضِيَ بِجَمِيعِ الزَّيْتِ فَتَلِفَ الزَّيْتُ قَبْلَ الِاسْتِضَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ،. اهـ. ابْنُ الْعِمَادِ.
قَوْلُهُ: (إذَا تَلِفَتْ) خَرَجَ بِهِ الْإِتْلَافُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ لَزِمَهُ الْبَدَلُ الشَّرْعِيُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ كُلٍّ، فَإِنْ غَرِمَ الْمُتْلِفُ بَرِئَ الْمُسْتَعِيرُ وَإِنْ غَرِمَ الْمُسْتَعِيرُ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ.
قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ