فِيهَا مَعَ الرَّدِّ الْقِيمَةُ، وَهِيَ مَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَحَمَلَتْ بِحُرٍّ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْحَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. قَالَ: وَعَلَى الْغَاصِبِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَا يَسْقُطُ بِإِبْرَاءِ الْمَالِكِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى مَا لَوْ غَصَبَ لَوْحًا وَأَدْرَجَهُ فِي سَفِينَةٍ وَكَانَتْ فِي لُجَّةٍ، وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ هَلَاكٌ مُحْتَرَمٌ فِي السَّفِينَةِ وَلَوْ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يُنْزَعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. الثَّانِيَةُ: تَأْخِيرُهُ لِلْإِشْهَادِ وَإِنْ طَالَبَهُ الْمَالِكُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ لِاسْتِمْرَارِ الْغَصْبِ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ اُغْتُفِرَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يُنْكِرُهُ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ. (وَ) لَزِمَهُ مَعَ رَدِّهِ (أَرْشُ نَقْصِهِ) أَيْ نَقْصُ عَيْنِهِ كَقَطْعِ يَدِهِ أَوْ صِفَتِهِ كَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ لَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْقَضِيَّةِ أَنَّهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً لَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ مَعَهَا إنْ نَقَصَ وَصْفُهَا أَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مُخَالَفَةِ مَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِهِ مَعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَلَزِمَهُ مَعَ رَدِّهِ أَرْشُ نَقْصِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا مُخَالَفَةَ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ عَارِيَّةً عَنْ النَّقْصِ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَهَا أُجْرَةٌ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا حَدَثَ نَقْصٌ فِيهِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِحِ حِينَئِذٍ.
قَوْلُهُ: (مَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً إلَخْ) وَالْحَالُ أَنَّهَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا نَقْصٌ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَحَمَلَتْ بِحُرٍّ) أَيْ بِشُبْهَةٍ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ مَهْرٌ لَهَا وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ وَعَلَى الْوَاطِئِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهَا. أَمَّا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ زِنًا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْوَلَدُ حِينَئِذٍ رَقِيقٌ، اهـ قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَدَّهَا) أَيْ وَهِيَ حَامِلٌ.
قَوْلُهُ: (لِلْحَيْلُولَةِ) وَيَمْلِكُهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِلْكَ قَرْضٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا بَعْدَ وِلَادَةِ الْجَارِيَةِ كَمَا فِي سم، فَإِنْ وَضَعَتْهُ اسْتَرْجَعَتْ الْقِيمَةَ وَإِنْ مَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ اسْتَقَرَّتْ الْقِيمَةُ لَهُ م د.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْغَاصِبِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا التَّعْزِيرُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، فَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (الْأَوْلَى مَا لَوْ غَصَبَ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي هَذِهِ مِنْ رَدِّهِ، وَقَدْ شَرَطَ الْفَوْرَ بِالتَّمَكُّنِ اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ عَلَى الْفَوْرِ بِدُونِ مَا قَيَّدَ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ: " عِنْدَ التَّمَكُّنِ " وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِلْغَاصِبِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُحْتَرَمُ لِلْغَاصِبِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الْبَهْجَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ع ش.
قَوْلُهُ: (لِاسْتِمْرَارِ الْغَصْبِ) أَيْ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْغَصْبِ وَاجِبٌ فَوْرًا.
قَوْلُهُ: (زَمَنٌ يَسِيرٌ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ طَالَ كَانَ لَهُ التَّأْخِيرُ، أَوْ هُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (أَرْشُ نَقْصِهِ) فَلَوْ غَصَبَ فَرْدَتَيْ خُفٍّ قِيمَتُهُمَا عَشْرَةٌ فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا فَصَارَتْ قِيمَةُ الْبَاقِيَةِ دِرْهَمَيْنِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ، وَمِثْلُهُمَا مِصْرَاعَا الْبَابِ أَيْ الضَّرْفَتَانِ. وَقَدْ أَلْغَزَ فِيهِمَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
خَلِيلَانِ مَمْنُوعَانِ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ ... يَبِيتَانِ طُولَ اللَّيْلِ يَعْتَنِقَانِ
هُمَا يَحْفَظَانِ الْأَهْلَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ ... وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَفْتَرِقَانِ
وَلَوْ مَشَى شَخْصٌ عَلَى فَرْدَةِ نَعْلِ غَيْرِهِ فَجَذَبَهَا صَاحِبُ النَّعْلِ فَانْقَطَعَتْ، فَتُقَوَّمُ النَّعْلُ سَلِيمَةً هِيَ وَرَفِيقَتُهَا ثُمَّ يُقَوَّمَانِ مَعَ الْعَيْبِ وَمَا نَقَصَ يُقَسَّمُ عَلَى الْمَاشِي وَصَاحِبِ النَّعْلِ، فَمَا يَخُصُّ صَاحِبَ النَّعْلِ سَقَطَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ هَدَرٌ وَمَا يَخُصُّ الْآخَرَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ أَخَذَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ مِنْ غَاصِبٍ أَوْ سَبُعٍ حِسْبَةً لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ إمْكَانِ رَدِّهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلضَّمَانِ كَحَرْبِيٍّ وَقِنٍّ لِلْمَالِكِ، وَإِلَّا ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ؛ شَرْحُ م ر. قَالَ ع ش: بَقِيَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ بَعْضَ الدَّوَابِّ يَفِرُّ مِنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ إنَّ شَخْصًا يَحُوزُهُ عَلَى نِيَّةِ عَوْدِهِ لِمَالِكِهِ فَيَتْلَفُ حِينَئِذٍ، هَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِلْعِلْمِ بِرِضَا صَاحِبِهِ بِذَلِكَ، إذَا الْمَالِكُ لَا يَرْضَى بِضَيَاعِ مَالِهِ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ نَوَى رَدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الضَّمَانِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ " قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مَتَاعًا مَعَ سَارِقٍ أَوْ مُنْتَهِبٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ ضَاعَ عَلَى صَاحِبِهِ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ الْآخِذَ فَأَخَذَهُ مِنْهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ بِصُورَةِ شِرَاءٍ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَقْصِيرٍ غَرِمَ بَدَلَهُ لِصَاحِبِهِ وَلَا