للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لِصِيَالِهِ لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ سَوَاءً أَعَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ كَتَلَفِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا عِنْدَ الْغَاصِبِ مَا لَوْ تَلِفَ بَعْدَ الرَّدِّ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ بِإِجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ فَتَلِفَ عِنْدَ الْمَالِكِ، فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَالِكِ بِرِدَّةٍ أَوْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. وَيَضْمَنُ مَغْصُوبَ تَلَفٍ (بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ) مَوْجُودٌ، وَالْمِثْلِيُّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ كَمَاءٍ وَلَوْ أَغْلَى وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ وَمِسْكٍ وَقُطْنٍ وَإِنْ لَمْ يُنْزَعْ حَبُّهُ وَدَقِيقٌ وَنُخَالَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ بِمِثْلِهِ لِآيَةِ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّالِفِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مُتَقَوِّمٌ، وَسَيَأْتِي كَالْمَذْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ وَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَمَعِيبٍ، وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْبُرَّ الْمُخْتَلِطَ بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلَهُ: لَكِنَّهُ إلَخْ، شُرُوعٌ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ لَا ضَمَانَ فِيهَا أَيْضًا تُضَمُّ لِلثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَكُونُ سِتَّةً، وَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَتَعْبِيرُهُ بِ " لَكِنَّ " فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِمَا عَلِمْتَ.

قَوْلُهُ: (بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ) أَيْ مِنْ قَرَارِ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ يُطْلَبُ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَجْنُونِ وَعَلَى الْآمِرِ.

قَوْلُهُ: (بِأَمْرِ الْمَالِكِ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ) أَيْ الْمَالِكُ. قَوْلُهُ: (كَتَلَفِ الْعَبْدِ إلَخْ) مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ، وَنَفْسُهُ مَفْعُولٌ بِهِ أج؛ لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ حِينَئِذٍ التَّعْبِيرَ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ لَا التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ، فَالْأَحْسَنُ جَرُّهُ تَوْكِيدًا لِلْعَبْدِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: كَتَلَفِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ " أَيْ كَتَلَفِ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ فَاعِلٍ كَتَلَفِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ انْتَهَى بِالرَّدِّ، وَهَذَا مَعْلُومٌ وَأَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدُ.

قَوْلُهُ: (وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ نَفْيِ الضَّمَانِ بَعْدَ الرَّدِّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْلَمْ) أَيْ بِكَوْنِهِ مِلْكَهُ وَتَسْمِيَةُ مَا ذَكَرَ إجَازَةً وَرَهْنًا وَدِيعَةً بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَقَطْ. وَإِنَّمَا قَالَ: وَلَمْ يَعْلَمْ لِيَتَأَتَّى رَهْنُهُ لَهُ أَوْ إجَارَتُهُ لَهُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْغَاصِبِ) لِبَقَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ حُكْمًا.

قَوْلُهُ: (أَوْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ فِي يَدِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ. قَوْلُهُ: (وَيَضْمَنُ مَغْصُوبَ إلَخْ) جَعَلَ كَلَامَ الْمَتْنِ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمَتْنِ مُتَعَلِّقٌ بِضَمِنَهُ، فَلَوْ أَبْقَاهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ كَانَ أَوْلَى؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ حَلَّ مَعْنًى.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدَّرَهُ لِطُولِ الْفَصْلِ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِضَمِنَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ: (مَوْجُودٌ) أَيْ مَا بَقِيَتْ لَهُ قِيمَةٌ كَمَا سَيَذْكُرُ مُحْتَرَزَهُمَا. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى شَرْطٍ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ الْإِشَارَةُ إلَى شَرْطَيْنِ فَلَا تَغْفُلْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرُوطَ خَمْسَةٌ: أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ مَوْجُودًا، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ، وَأَنْ لَا يَصِيرَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا، وَأَنْ لَا يَتَرَاضَيَا عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ، وَأَنْ يَقَعَ التَّقْوِيمُ فِي مَكَانِ التَّلَفِ فَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ أَيْ أُجْرَةٌ وَمِثْلُهَا ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ لَمْ يَضْمَنْ بِالْمِثْلِ وَإِلَّا ضَمِنَ بِالْمِثْلِ.

قَوْلُهُ: (مَا حَصْره كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ شَرْعًا قُدِّرَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا أَمْكَنَ فِيهِ ذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ مَالٍ يُمْكِنُ وَزْنُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ كَيْلُهُ. وَيُعْرَفُ بِهَذَا أَنَّ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ مِثْلِيَّانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ قُدِّرَا كَانَ تَقْدِيرُهُمَا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ. اهـ. حَجّ مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (كَمَاءٍ) أَيْ سَوَاءً كَانَ مِلْحًا أَوْ عَذْبًا أَغْلَى أَوْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَقَوْلُهُ: " وَلَوْ أَغْلَى " لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إذَا أَغْلَى يَكُونُ مُتَقَوِّمًا قَوْلُهُ: (وَنُحَاسٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهِ م ر قَوْلُهُ: (وَدَقِيقٍ) فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ نَظَرٌ لِاخْتِلَافِهِ بِالنُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، تَأَمَّلْ وَحَرِّرْ. قَوْلُهُ: (أَقْرَبُ إلَى التَّالِفِ) أَيْ مِنْ غُرْمِ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا عَدَا ذَلِكَ) أَيْ مَا حَصْرُهُ كَيْلٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " مُتَقَوِّمٌ " بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا كَمَا قَالَهُ حَجّ.

قَوْلُهُ: (وَمَا لَا يَجُوزُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " كَالْمَذْرُوعِ ".

قَوْلُهُ: (وَمَعِيبٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَنْضَبِطُ.

قَوْلُهُ: (وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ إلَخْ) الْمُورِدُ هُوَ الْإِسْنَوِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>