الْبُلْقِينِيُّ لِامْتِنَاعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ، وَلِانْتِفَاءِ مِلْكِ الْأَوَّلِ عَنْ الرَّقَبَةِ. نَعَمْ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهِ عَنْهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إفْرَازٍ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَأْخُوذِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ: (فِيمَا يَنْقَسِمُ) أَيْ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ إذَا طَلَبَهَا الشَّرِيكُ بِأَنْ لَا يَبْطُلَ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ لَوْ قَسَمَ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَهَا، كَطَاحُونٍ وَحَمَّامٍ كَبِيرَيْنِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْمُنْقَسِمِ كَمَا مَرَّ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَالْحَاجَةِ إلَى إفْرَادِ الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ لِلشَّرِيكِ بِالْمَرَافِقِ، وَهَذَا الضَّرَرُ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ صَاحِبَهُ مِنْهُ بِالْبَيْعِ لَهُ، فَلَمَّا بَاعَ لِغَيْرِهِ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ (دُونَ مَا لَا يَنْقَسِمُ) بِأَنْ يَبْطُلَ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ لَوْ قُسِمَ كَحَمَّامٍ وَطَاحُونٍ صَغِيرَيْنِ؛ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِمَالِكِ عُشْرِ دَارٍ صَغِيرَةٍ إنْ بَاعَ شَرِيكُهُ بَقِيَّتَهَا لَا عَكْسَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُجْبَرُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَيْسَ مَالِكًا كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (إذَا بَاعَ شَرِيكٌ آخَرَ نَصِيبَهُ) كَأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ أَثْلَاثًا: ثُلُثُهَا وَقْفٌ عَلَى شَخْصٍ وَكُلُّ ثُلُثٍ مِنْ الثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لِشَخْصٍ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا بَاعَ ثُلُثَهُ لِآخَرَ لَا يَأْخُذُ شَرِيكُهُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ لَهُ الْآخِذَ كَمَا اعْتَمَدَهُ آخِرًا اهـ م د. قَوْلُهُ: (لِامْتِنَاعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ) أَيْ تَمْيِيزِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ شَائِعٌ أَيْ وَإِذَا امْتَنَعَتْ قِسْمَةُ الْوَقْفِ انْتَفَى الضَّرَرُ، وَإِذَا انْتَفَى الضَّرَرُ انْتَفَتْ الشُّفْعَةُ. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ: " لِامْتِنَاعٍ " تَعْلِيلٌ لِلصُّورَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: " وَلِانْتِفَاءِ إلَخْ " تَعْلِيلٌ لِلْأُولَى. قَوْلُهُ: (مِلْكِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ صَاحِبُ شِقْصٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا لِشَرِيكِهِ إلَخْ. وَأَمَّا الْأُولَى وَهِيَ الْمَوْقُوفَةُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مُعْتَمَدٌ إنْ كَانَتْ قِسْمَةَ إفْرَازٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ وَقْفٍ آخَرَ إنْ كَانَتْ إفْرَازًا لَا بَيْعًا بِأَنْ كَانَتْ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ أَوْ رَدٍّ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْ قَالَ يَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ مِنْ الْمِلْكِ أَيْ تَمْيِيزُهَا عَنْهُ. وَمَنْ مَنَعَهَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَةِ الْإِفْرَازِ وَالثَّانِي عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ أَوْ الرَّدِّ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّالِبُ الْمَالِكَ أَوْ النَّاظِرَ أَوْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْأُضْحِيَّةُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ إنْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبَيْنَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ تَمْتَنِعُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرًا لِشَرْطِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرًا لِشَرْطِهِ " كَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ لِجَمِيعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَ الْقِسْمَةِ يَخْتَصُّ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهِ) أَيْ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْجَوَازُ الْمَذْكُورُ الْمُعْتَمَدُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (قِسْمَةَ إفْرَازٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةَ الْأَجْزَاءِ. بِوَاجِبَةٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَّقَهُ الشَّارِحُ بِمَحْذُوفٍ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ شَرْطَانِ: الْأَوَّلُ هَذَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ لَا يَبْطُلَ نَفْعُهُ لَوْ قُسِمَ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ " وَفِي كُلِّ مَا لَا يُنْقَلُ " وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ أَرْضًا أَوْ أَرْضًا مَعَ تَابِعِهَا، وَسَيَأْتِي شَرْطٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ بِعِوَضٍ.
قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ بِالْقِسْمِ الصَّائِرِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (كَالطَّاحُونِ) وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلطَّحْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَجَرُ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَكَانِ زي وَكَذَلِكَ كُلُّ مُنْفَصِلٍ: تَوَقَّفَ عَلَيْهِ نَفْعٌ مُتَّصِلٌ كَصُنْدُوقِ الطَّاحُونِ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَبْطُلَ نَفْعُهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " دَفْعُ ضَرَرِ إلَخْ " أَيْ وَاَلَّذِي يَبْطُلُ نَفْعُهُ بِالْقِسْمَةِ لَا يُقْسَمُ فَلَا ضَرَرَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمُنْقَسِمِ) أَيْ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَاجَةُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " دَفْعُ " وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقِسْمَةِ، أَيْ وَدَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْحَاجَةِ إلَى أَفْرَادٍ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " بِالْمَرَافِقِ " مُتَعَلِّقٌ بِأَفْرَادٍ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا الضَّرَرُ حَاصِلٌ) أَيْ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عُرِضَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ فَأَبَى ثُمَّ بَاعَ لِأَجْنَبِيٍّ لَيْسَ لَهُ أَيْ لِلشَّرِيكِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ حِكْمَةً. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (وَبِذَلِكَ) أَيْ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ إلَخْ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ فِيمَا لَا إجْبَارَ فِيهِ وَتَثْبُتُ فِيمَا فِيهِ إجْبَارٌ عَلَى الْقِسْمَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ،