مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَأَنْ قَارَضَهُ عَلَى إحْدَى صُرَّتَيْنِ وَلَوْ مُتَسَاوِيَتَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَالِ بِيَدِ غَيْرِ الْعَامِلِ كَالْمَالِكِ لِيُوفِيَ مِنْهُ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَشُرِطَ فِي الْمَالِكِ مَا شُرِطَ فِي مُوَكِّلٍ، وَفِي الْعَامِلِ مَا شُرِطَ فِي وَكِيلٍ وَهُمَا الرُّكْنَانِ الْأَوَّلَانِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ، وَأَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ بِالْعَمَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ عَمَلِ غَيْرِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الْعَمَلِ يَقْتَضِي انْقِسَامَ الْيَدِ، وَيَصِحُّ شَرْطُ إعَانَةِ مَمْلُوكِ الْمَالِكِ مَعَهُ فِي الْعَمَلِ، وَلَا يَدَ لِلْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَجَعَلَ عَمَلَهُ تَبَعًا لِلْمَالِ؛ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِرُؤْيَةٍ أَوْ وَصْفٍ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمُخْتَارِ أَهْلَكَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَمُرَادُهُ بِهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ. اهـ. م ر سم. وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُتَعَارِفَةَ الْآنَ الْمَغْشُوشَةَ يَتَحَصَّلُ مِنْهَا مَا لَهُ مَالِيَّةٌ إذَا عُرِضَ عَلَى النَّارِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ كَثِيرَةً، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَهْلَكِ مَا لَا يَتَمَيَّزُ فِيهِ النُّحَاسُ مِنْ الْفِضَّةِ كَالْقُرُوشِ وَالْأَنْصَافِ الْمُتَعَامِلِ بِهَا الْآنَ. اهـ. ع ش كَالْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ بِمِصْرَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى مَجْهُولٍ) نَعَمْ لَوْ قَارَضَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي مَجْهُولِ الْقَدْرِ فَإِذَا قَارَضَهُ عَلَى مَجْهُولِ الْقَدْرِ ثُمَّ عَلِمَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَكَذَا الْمُبْهَمُ كَأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَلْفَيْنِ فَيَصِحُّ إذَا عَيَّنَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ الْجِنْسَ وَالْقَدْرَ وَالصِّفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْمَطْلَبِ، أَيْ وَكَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَجْهُولَةً عِنْدَ الْعَقْدِ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ دَرَاهِمُ شَرِكَةٍ فَقَالَ لَهُ: قَارَضْتُك عَلَى نَصِيبِي مِنْهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي سم. قَالَ ع ش: وَمِنْ ذَلِكَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ التَّعَامُلِ بِالْفِضَّةِ الْمَقْصُوصَةِ، فَلَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْقَصِّ وَإِنْ عُلِمَتْ، إلَّا أَنَّ مِقْدَارَ الْقَصِّ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ مِثْلِهِ عِنْدَ التَّفَاصُلِ، حَتَّى لَوْ قَارَضَهُ عَلَى قَدْرٍ مِنْهَا مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَزْنًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الرَّدِّ وَإِنْ أَحْضَرَ قَدْرَهُ وَزْنًا لَكِنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِتَفَاوُتِ الْقَصِّ قِلَّةً وَكَثْرَةً. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مُعَيَّنًا ".
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ) وَيَشْمَلُ ذِمَّةَ غَيْرِ الْعَامِلِ بِأَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ فَقَالَ لِغَيْرِهِ: قَارَضْتُك عَلَى دَيْنِي الَّذِي عَلَى فُلَانٍ فَاقْبِضْهُ وَاتَّجِرْ فِيهِ، وَيَشْمَلُ ذِمَّةَ الْعَامِلِ أَيْضًا بِأَنْ قَالَ لَهُ: قَارَضْتُك عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك اهـ ز ي.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِكَوْنِ الْمَالِكِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْيِينِ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ، وَاعْتَمَدَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ " عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ ": أَيْ إلَّا إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ غَيْرُ دَيْنٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ح ل، كَأَنْ يُقَارِضَهُ الْمَالِكُ عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (عَلَى إحْدَى صُرَّتَيْنِ) نَعَمْ إنْ عُيِّنَتْ الْمُرَادَةُ مِنْهُمَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُتَسَاوِيَتَيْنِ) أَيْ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، أَيْ فَلَا يَصِحُّ وَهَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ. وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلرَّمْلِيِّ: وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ إنْ عُلِمَ مَا فِيهِمَا وَتَسَاوَتَا جِنْسًا وَصِفَةً. وَقَدْرًا، فَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ فَتَتَعَيَّنُ لِلْقِرَاضِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ التَّعَيُّنِ كَالْبَيْعِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِيُوفِيَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: كَوْنِ الْمَالِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ) فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ أَعْمَى دُونَ الْعَامِلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَفِيهًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا، وَلِوَلِيِّهِمْ أَنْ يُقَارِضَ لَهُمْ مَنْ يَجُوزُ الْإِيدَاعُ عِنْدَهُ وَلَهُ أَنْ يَشْرِطَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَجِدْ كَافِيًا غَيْرَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ مُقَارَضَةُ الْأَعْمَى عَلَى مُعَيَّنٍ كَمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ الْمُعَيَّنَ، وَأَنْ لَا يَجُوزَ إقْبَاضُهُ الْمُعَيَّنَ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلٍ سم.
وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَارِضَ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا، وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ مِنْ الْمَرِيضِ، وَلَا يُحْسَبُ مَا زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ مِنْهُ مَا يَفُوتُهُ مِنْ مَالِهِ وَالرِّبْحُ لَيْسَ بِحَاصِلٍ حَتَّى يَفُوتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ، بِخِلَافِ مُسَاقَاتِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ فِيهَا مِنْ عَيْنِ الْمَالِ اهـ س ل.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " مَا شُرِطَ فِي وَكِيلٍ ".
قَوْلُهُ: (مَمْلُوكِ الْمَالِكِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ حُرٌّ يَسْتَحِقُّ الْمَالِكُ مَنْفَعَتَهُ، وَيُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِهِ لَهُ بِأَنْ يُرَادَ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ ق ل. وَالْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ وَلَوْ بَهِيمَةً كَمَا فِي ع ش.