للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالْجَعَالَةُ جَائِزَةٌ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ ابْتِدَاءً مِنْ الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ أَوْ الْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ. وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا عَمِلَهُ الْعَامِلُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيطَ عَلَى رَفْعِهِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْفُسُوخِ لَكِنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ وَقَعَ مُحْتَرَمًا فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ فَرَجَعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

(وَهِيَ) أَيْ لَفْظُ الْجَعَالَةِ أَيْ الصِّيغَةُ فِيهَا وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي (أَنْ يَشْتَرِطَ) الْعَاقِدُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ (فِي رَدِّ ضَالَّتِهِ) الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِمَا ضَاعَ مِنْ الْحَيَوَانِ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ فِي رَدِّ مَا سِوَاهَا أَيْضًا مِنْ مَالٍ وَأَمْتِعَةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ فِي عَمَلٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ (عِوَضًا) كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا. (مَعْلُومًا) ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ طَرَفِ الْعَامِلِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ صِيغَةٌ، فَلَوْ عَمِلَ أَحَدٌ بِقَوْلِ أَجْنَبِيٍّ قَالَ زَيْدٌ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَهُ عَلَى زَيْدٍ مَا الْتَزَمَهُ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً،

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ سَمَاعَهُ حَالَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ وَرُدَّ اسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ وَقَوْلُهُمْ إذَا قَدَرَ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ، وَرُدَّ اسْتَحَقَّ مَحَلُّهُ فِي الْعَامِلِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا نَظَرَ، وَلَا مُخَالَفَةَ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (جَائِزَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَذْكُرُ الْجَوَازَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْعِ وَالْفَسَادِ لَا فِي مُقَابَلَةِ اللُّزُومِ، فَمَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ جَوَازِهَا قَبْلَ ذِكْرِ حَقِيقَتِهَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (فَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ) أَمَّا الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ، هَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَأَمَّا الْعَامِلُ الْمُبْهَمُ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَالصُّوَرُ خَمْسٌ. قَوْلُهُ: (ابْتِدَاءً) أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْعَمَلِ، فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: فَسَخْتُ الْجِعَالَةَ لَغَا إذْ لَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْسَخَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ) أَيْ فِيمَا إذَا عَقَدَ مَعَ مُعَيَّنٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَالِكِ مُلْتَزِمُ الْعِوَضِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ) سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ الْفَسْخِ قَبْلَ الشُّرُوعِ مُطْلَقًا، وَالْفَسْخِ مِنْ الْعَامِلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى رَفْعِهِ) أَيْ فَسْخِهِ. قَوْلُهُ: (وَقَعَ مُحْتَرَمًا) أَيْ مَضْمُونًا.

قَوْلُهُ: (أَيْ لَفْظُ الْجِعَالَةِ) فِيهِ أَنَّ لَفْظَ مُذَكَّرٌ فَكَيْفَ يَجْعَلُهُ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ الْمُؤَنَّثِ؟ فَالْأَوْلَى حَذْفُ " لَفْظُ " إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّفْظَ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ الصِّيغَةِ كَانَ مُؤَوَّلًا بِالْمُؤَنَّثِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْ لَفْظُ الْجِعَالَةِ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامًا إذْ ذُكِرَتْ أَوَّلًا بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَأَعَادَ عَلَيْهَا الضَّمِيرَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَشْتَرِطَ) أَيْ دَالٌّ أَنْ يَشْتَرِطَ، أَيْ دَالُّ الِاشْتِرَاطِ؛ وَيَشْتَرِطُ مَعْنَاهُ يَلْتَزِمُ.

قَوْلُهُ: (الْعَاقِدُ) الْمُرَادُ بِهِ الْمُلْتَزِمُ لَا مَا يَعُمُّهُ وَالْعَامِلُ.

قَوْلُهُ: (فِي رَدِّ ضَالَّتِهِ) الرَّدُّ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: " أَوْ فِي عَمَلٍ كَخِيَاطَةٍ إلَخْ " وَلَا الضَّالَّةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " أَوْ فِي رَدِّ مَا سِوَاهَا مِنْ مَالٍ إلَخْ " وَلَا الْإِضَافَةُ لَهُ كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ مَثَلًا فَلَهُ كَذَا لِصِحَّةِ الْتِزَامِ الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ إذْنِ الْمَالِكِ فِي الرَّدِّ اهـ. قَوْلُهُ: (كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ) وَيَصِفُهَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُغْتَفَرُ إلَّا إذَا عَسُرَ الْعِلْمُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ كَاذِبًا) حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَلْزَمْ الْمَالِكَ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَإِنْ كَانَ ثِقَةً لَزِمَهُ لِتَرَجُّحِ طَمَاعِيَةِ الْعَامِلِ بِوُثُوقِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ لِضَعْفِ طَمَاعِيَتِهِ بِخَبَرِ غَيْرِ الثِّقَةِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَلَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى زَيْدٍ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَرْوِيجِ قَوْلِهِ س ل. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي رَقِيقٍ. مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلِيَّ فَرَدَّهُ شَرِيكُهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ أَيْ عَلَى الْقَائِلِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ رَدَّهُ غَيْرُ الشَّرِيكِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ شَرِكَةٌ فِي بَهَائِمَ فَسُرِقَتْ الْبَهَائِمُ أَوْ غُصِبَتْ فَسَعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي تَخْلِيصِهَا وَرَدِّهَا وَغَرِمَ عَلَى ذَلِكَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَرِيكُهُ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ أَنَّ الْغَارِمَ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>