وَغِرَاسٍ وُضِعَا بِأَرْضٍ بِحَقٍّ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ، وَلَا مَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا أَحَدِ عَبْدَيْهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِمَا وَلَا مَا لَا يُمْلَكُ لِلْوَاقِفِ كَمُكْتَرٍ وَمُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ لَهُ وَحُرٍّ وَكَلْبٍ وَلَوْ مُعَلَّمًا، وَلَا مُسْتَوْلَدَةٍ وَمُكَاتَبٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ، وَلَا آلَةِ لَهْوٍ وَلَا دَرَاهِمَ لِزِينَةٍ؛ لِأَنَّ آلَةَ اللَّهْوِ مُحَرَّمَةٌ وَالزِّينَةُ مَقْصُودَةٌ، وَلَا مَا لَا يُفِيدُ نَفْعًا كَزَمِنٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَلَا مَا لَا يُفِيدُ إلَّا بِفَوَاتِهِ كَطَعَامٍ وَرَيْحَانٍ غَيْرِ مَزْرُوعٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ فِي فَوْتِهِ وَمَقْصُودُ الْوَقْفِ الدَّوَامُ بِخِلَافِ مَا يَدُومُ كَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَرَيْحَانٍ مَزْرُوعٍ.
(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (أَنْ يَكُونَ) الْوَقْفُ (عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ) فِي الْحَالِ، وَهُوَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَسْجِدِ الْخَالِصِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّبَاعُدُ عَنْ الْإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (بِوُجُودِ الصِّفَةِ) أَيْ مِنْ مَوْتِ السَّيِّدِ وَوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَبْطُلُ الْوَقْفُ) وَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا الْوَقْفَ بِعِتْقِهِمَا مَعَ أَنَّ فِيهِ قُرْبَةً وَلَمْ نُبْطِلْ الْعِتْقَ وَنُبْقِ الْوَقْفَ عَلَى صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى فَكِّ الرِّقَابِ مَا أَمْكَنَ. وَأَيْضًا مُقْتَضَى الْعِتْقِ سَابِقٌ فَقُدِّمَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِدَوَامِ الْوَقْفِ دَامَا عَلَى رَقِّهِمَا إلَى الْمَوْتِ وَلَزِمَ عَلَيْهِ إلْغَاءُ الصِّفَةِ الَّتِي عُلِّقَ بِهَا الْمُعَلَّقُ. قَوْلُهُ: (بِحَقٍّ) كَأَنْ وُضِعَا بِأَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا وَإِنْ اسْتَحَقَّا الْقَلْعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَرْحِ م ر، ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ قَلَعَ ذَلِكَ وَبَقِيَ مُنْتَفِعًا بِهِ فَهُوَ وَقْفٌ كَمَا كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَهَلْ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ يَرْجِعُ لِلْوَاقِفِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا اهـ م د. وَقَوْلُ الْجَمَّالِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ الصَّحِيحَ غَيْرُهُمَا وَهُوَ شِرَاءُ عَقَارٍ أَوْ جُزْءِ عَقَارٍ يُوقَفُ مَكَانَهُ " مَحْمُولٌ عَلَى إمْكَانِ الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ، وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِهِ، وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ بِالْقَلْعِ أَرْشُ نَقْصِهِ يُصْرَفُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَأْجَرَةِ الْمَغْصُوبَةُ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَا فِيهَا لِعَدَمِ دَوَامِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَهَذَا مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحِ م ر قَوْلُهُ " فَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ " وَيَجُوزُ بَقَاؤُهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ رِيعِهِ وَلَا تَجِبُ هُنَا الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ تَمَلُّكُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يُبَاعُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَا فِي الذِّمَّةِ) مُحْتَرَزُ مَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ " مُعَيَّنًا ".
قَوْلُهُ: (وَحُرٍّ) بِأَنْ يَقُولَ: أَوْقَفْتُ نَفْسِي عَلَى زَيْدٍ كَمَا فِي الرَّوْضِ. أَوْ أَوْقَفْت وَلَدِي، وَهَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ مَمْلُوكٍ.
قَوْلُهُ: (وَمُكَاتَبٍ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَا دَرَاهِمَ لِزِينَةٍ) أَوْ لِلِاتِّجَارِ فِيهَا وَصَرْفِ رِبْحِهَا لِلْفُقَرَاءِ زي. قَالَ ع ش وَمِثْلُهَا، يَعْنِي الدَّرَاهِمَ، وَقْفُ الْجَامِكِيَّةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ وَهِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِمَنْ تَحْتَ يَدِهِ، وَمَا يَقَعُ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ فِي الْفَرَاغِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ لِتَكُونَ لِبَعْضِ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ مِنْ وَقْفِهَا بَلْ بِفَرَاغِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا وَصَارَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِمَنْ شَاءَ حَيْثُ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَا لَا يُفِيدُ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ " آلَةِ لَهْوٍ "؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ قَبْلَهَا فِي عَدِّ الْقُيُودِ. وَجَمِيعُ الطُّبُولِ جَائِزَةٌ إلَّا الدَّرَبُكَّةَ، وَجَمِيعُ الْمَزَامِيرِ حَرَامٌ إلَّا النَّفِيرَ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ الطُّبُولُ حَرَامٌ إلَّا فِي الزَّوَاجِ لِشُهْرَتِهِ بِخِلَافِ الْخِتَانِ فَيَحْرُمُ فِيهِ الطَّبْلُ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَرَيْحَانٍ) وَهُوَ كُلُّ نَبْتٍ غَضٍّ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ كَالْوِرْدِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ دَوَامَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَبْسِهِ لَا كَوْنِهِ مُؤَبَّدًا، فَالْمُرَادُ الدَّوَامُ النِّسْبِيُّ.
قَوْلُهُ: (كَمِسْكٍ) أَيْ إنْ لَمْ يُرَدْ لِلْأَكْلِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَالطَّعَامِ. وَقَوْلُهُ " وَعَنْبَرٍ " أَيْ لِلشَّمِّ لَا لِلْبَخُورِ بِهِ وَقَوْلُهُ " وَرَيْحَانٍ " أَيْ لِلشَّمِّ لَا لِلْأَكْلِ.
قَوْلُهُ: (مَزْرُوعٍ) فَإِنْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ كَانَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وُقِفَ عَلَى شَخْصٍ غِرَاسًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْغِرَاسَ يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْوَقْفِ كَمَا قَرَّرَهُ الْعَزِيزِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّرْطَ مُتَضَمِّنٌ لِلرُّكْنِ، فَالشَّرْطُ كَوْنُهُ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ، وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ هُوَ الْأَصْلُ الْمَوْجُودُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مُتَعَلِّقِ الرُّكْنِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ) أَيْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مَتْبُوعٍ بِغَيْرِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ " مَوْجُودٍ " تَفْسِيرُ الْأَصْلِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ " لَا يَنْقَطِعُ " تَفْسِيرٌ لِفَرْعٍ؛ قَالَهُ ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَصْلٍ مَوْجُودٍ أَيْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مُعَيَّنٍ وَقَوْلِهِ وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " أَيْ الشَّرْطُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا كَوْنُهُ مُعَيَّنًا أَوْ كَوْنُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونَانِ شَرْطًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ مُرَدَّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يَأْتِي. وَالثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " مَوْجُودٍ " تَفْسِيرًا لِ " أَصْلٍ " وَقَوْلُهُ " وَلَا يَنْقَطِعُ " تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ