الْمَوْقُوفَةُ كَالْخَيْلِ الْمَوْقُوفَةِ فِي الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ مِمَّا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ لَهُ، فَيَمْتَنِعُ وَقْفُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَلَا وَقْفَ الشَّخْصِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَا دَوَامَ لَهُمَا مَعَ كُفْرِهِمَا، وَالثَّالِثُ لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَقَوْلُهُ " عَلَى عَلَفِهَا " ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى عَلَفِهَا، وَأَفْتَى الزِّيَادِيُّ أَيْضًا بِالصِّحَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا) مُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا؛؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى عَلَفِ الْمَمْلُوكَةِ يَصِحُّ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَخْ) . تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ وَمِثْلُهُ الْمُعَاهِدُ وَالْمُؤَمَّنُ الْجِنْسُ فَيَصِحُّ عَلَى الذِّمِّيِّينَ وَالنَّصَارَى، وَعِبَارَةُ ح ل: وَيَصِحُّ عَلَى يَهُودٍ أَوْ نَصَارَى أَوْ فُسَّاقٍ أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الصِّحَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِهِمْ بَاعِثًا عَلَى الْوَقْفِ بِأَنْ أَرَادَ ذَوَاتَهمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى مَنْ يَفْسُقُ أَوْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ م ر بَعْدَ كَلَامٍ: وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحْسَنَّا بُطْلَانَهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفُسَّاقِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَمَعْنًى اهـ وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مُصْحَفٍ عَلَى كَافِرٍ، وَكَذَا مُسْلِمٍ، إلَّا إنْ كَانَ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ، فَإِذَا مَلَكَهَا زَالَتْ عَنْهُ لِلْبَعْضِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ وَلَوْ حَارَبَ الذِّمِّيُّ انْقَطَعَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ أَوْ الْآخِرِ ق ل. وَقَوْلُهُ " انْقَطَعَ الْوَقْفُ " ظَاهِرُهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى دَارِنَا، وَقَوْلُهُ " فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ " أَيْ إنْ كَانَ وَسَطًا أَوْ الْآخِرِ أَيْ إنْ كَانَ آخِرًا.
قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَقَفَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا وَقْفُ الشَّخْصِ عَلَى نَفْسِهِ) وَمِنْ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَشْرِطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهِ أَوْ تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ صُوَرٌ: مِنْهَا مَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَجَعَلَ لِذَلِكَ أُجْرَةً فَيَجُوزُ عَلَى الْمُرَجَّحُ. فِي الرَّوْضَةِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَمَا لَوْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ الْمُتَّصِفِينَ بِالْفِقْهِ مَثَلًا وَلَيْسَ فِيهِمْ فَقِيهٌ مَثَلًا غَيْرُهُ زي. وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَمْنَعُ الشَّافِعِيَّ بَاطِنًا مِنْ بَيْعِهِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ، قَالَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَمْنَعُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ سِيَاسَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ؛ لَكِنْ رَدَّهُ جَمْعٌ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافٍ لِلْمُجْتَهِدِينَ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعْلِيلُهُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي مَوَاضِعِ نُفُوذِهِ بَاطِنًا، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَرَتُّبَ الْآثَارِ عَلَيْهِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَصِيرُ الْأَمْرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ اهـ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: " بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِم " لَوْ حَاكِمَ ضَرُورَةٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ صَدَرَ حُكْمٌ صَحِيحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا: حَكَمْت بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَبِمُوجَبِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ دَعْوَى فِي ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ حُكْمًا بَلْ هُوَ إفْتَاءٌ مُجَرَّدٌ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَكَانَ لَا حُكْمَ فَيَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ اهـ ع ش.
قَوْلُهُ: (مَعَ كُفْرِهِمَا) بِخِلَافِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُمَا لَا دَوَامَ لَهُمَا مَعَ عَدَمِ كُفْرِهِمَا، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ زي. وَبِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ كَافِرًا إلَّا أَنَّ لَهُ دَوَامًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثَ لِتَعَذُّرِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِتَعَذُّرِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ إلَخْ) هَذَا يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامُهُ بِالنَّظَرِ لِفَوَائِدِهِ فَإِنَّهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute