للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ مُؤَبَّدًا عَلَى (فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ) سَوَاءٌ أَظْهَرَ فِيهِ جِهَةَ قُرْبَةٍ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُجَاهِدِينَ وَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ، أَمْ لَمْ تَظْهَرْ كَالْأَغْنِيَاءِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفَسَقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ، وَلَوْ وَقَفَ شَخْصٌ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ غَنِيٌّ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ فَقِيرٌ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَيُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ نَظَرًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ عَطْفِ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَفَرْعٌ لَا يَنْقَطِعُ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَنَّهُمَا شَرْطٌ وَاحِدٌ، وَلِهَذَا عَدَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةً وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ شَرْطَانِ كَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ.

(وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ (أَنْ لَا يَكُونَ فِي مَحْظُورٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ، أَيْ مُحَرَّمٍ كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا مِنْ مُتَعَبَّدَاتِ الْكُفَّارِ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا، أَوْ حُصُرِهَا أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ خُدَّامِهَا، أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَوْ السِّلَاحِ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (مُؤَبَّدًا) أَيْ مُؤَبَّدًا مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ عَلَى فَرْعٍ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " مُؤَبَّدًا " بِحَذْفِ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مُؤَبَّدًا " وَلَوْ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ كَزَيْدٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، وَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ مَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ الْوَقْفُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْفَرْعَ بِالْمَوْجُودِ كَمَا فِي " الْأَصْلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ كَمَا قَالَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَالْآخِرِ بَاطِلٌ وَهُوَ مَرْجُوحٌ كَمَا سَيَأْتِي ق ل. فَالْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ " وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ " عَلَى أَنَّ فِي جَعْلِهِ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا نَظَرًا.

قَوْلُهُ: (جِهَةِ قُرْبَةٍ) أَيْ قَصْدِ قُرْبَةٍ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْفُقَرَاءِ) وَيُعْتَبَرُونَ بِمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الزَّكَاةِ، نَعَمْ الْقَادِرُ عَلَى كَسْبٍ يَكْفِيهِ فَقِيرٌ هُنَا، وَالْعُلَمَاءُ أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ وَهِيَ التَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ وَالْفِقْهُ ق ل. وَالرُّبُطُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ رِبَاطٍ وَهُوَ مُتَعَبَّدُ الصُّوفِيَّةِ ق ل، وَسُمِّيَ رِبَاطًا لِرَبْطِ الصُّوفِيَّةِ أَنْفُسَهُمْ فِيهِ، وَالْخَانِقَاهُ لِخَنْقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ فِيهَا عَنْ الْمَعَاصِي وَالْغَنِيُّ هُنَا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَالْمَسَاجِدِ) وَلَوْ عَلَى أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، لَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَنْفَعَتِهَا بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَبَسَطَ فِيهَا أَحْجَارًا مَمْلُوكَةً لَهُ وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا، وَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْمَسْجِدِيَّةِ عَنْ الْحِجَارَةِ إذَا نُقِلَتْ عَنْ مَحَلِّهَا. وَالْوَقْفُ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ يَدْخُلُ فِيهِ تَرْمِيمُهُ وَتَجْصِيصُهُ لِلْإِحْكَامِ وَالسَّوَارِي وَالسَّلَالِمُ وَالْمَكَانِسُ وَالْمَسَاحِي وَالْبَوَارِي لِدَفْعِ نَحْوِ حَرٍّ وَالْمَيَازِيبُ لِدَفْعِ مَاءٍ نَحْوِ مَطَرٍ، وَأُجْرَةٌ نَحْوُ قَيِّمٍ، وَعَلَى مَصَالِحِهِ أَوْ مُطْلَقًا يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ. وَإِذَا خَصَّ الْوَاقِفُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِمَّا وَقَفَهُ عَلَى نَحْوِ تَزْوِيقٍ وَنَقْشٍ وَسِرَاجٍ لَا نَفْعَ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. م د. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ إسْرَاجُهُ مِنْ زَيْتِ الْمَسْجِدِ طُولَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضَاعَةَ مَالٍ.

قَوْلُهُ: (أَمْ لَمْ تَظْهَرْ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِجِهَةِ الْقُرْبَةِ مَا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُهَا، وَإِلَّا فَالْوَقْفُ كُلُّهُ قُرْبَةٌ شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (كَالْأَغْنِيَاءِ) وَلَوْ حَصَرَهُمْ كَأَغْنِيَاءِ أَقَارِبَةِ جَزْمًا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (نَظَرًا لِلْأَصْلِ) غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَوْفِيقُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ: أَنَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ الظَّاهِرَ يَكُونُ مُدَّعِيًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَمَنْ وَافَقَ قَوْلَهُ الظَّاهِرَ يَكُونُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَكْفِي مِنْهُ الْيَمِينُ.

قَوْلُهُ: (وَفِي مَحْظُورٍ) أَيْ عَلَى مَحْظُورٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ) وُصِفَتْ بِالْمُشَالَةِ؛ لِأَنَّ اللِّسَانَ يَرْتَفِعُ عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ مُحَرَّمٍ) مِنْهُ الْوَقْفُ عَلَى التَّزْوِيقِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ كَانَ التَّزْوِيقُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُصَلِّي لِإِذْهَابِهِ الْخُشُوعَ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى السُّتُورِ وَلَوْ حَرِيرًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا زي.

قَوْلُهُ: (كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ ذِمِّيًّا وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ فَهَلْ يَبْطُلُ؟ أَفْتَى شَيْخُنَا صَالِحٌ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهَا الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِهَا الْمَمْنُوعِ، وَهُوَ مَا كَانَ يُظْهِرُ؛ شَوْبَرِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (لِلتَّعَبُّدِ) صِفَةٌ لِلْكَنَائِسِ أَيْ الْمَوْضُوعَةُ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا، أَيْ وَلَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ كَمَا قَالَهُ ع ش، وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " لِلتَّعَبُّدِ " أَيْ عِبَادَةُ الْكُفَّارِ وَلَوْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ، وَيَصِحُّ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَلَوْ مِنْ الْكُفَّارِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ حُصُرِهَا) عَطْفٌ عَلَى عِمَارَةِ بِأَنْ يَقِفَ شَيْئًا عَلَى شِرَاءِ حُصُرِهَا أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ خُدَّامِهَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) أَيْ الْمُبْدَلَيْنِ أَوْ وَقَفَهَا نَفْسَهَا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>