للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَالْوَقْفُ شُرِعَ لِلتَّقَرُّبِ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ. وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْمُرَادِ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى، وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ صَرِيحُهُ كَوَقَفْتُ وَسَلَبْتُ وَحَبَسْتُ كَذَا عَلَى كَذَا أَوْ تَصَدَّقْتُ بِكَذَا عَلَى كَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً أَوْ مُؤَبَّدَةً أَوْ مَوْقُوفَةً، أَوْ لَا تُبَاعُ أَوْ لَا تُوهَبُ وَجَعَلْتُ هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا، وَكِنَايَتُهُ كَحَرَّمْتُ وَأَبَّدْت هَذَا لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسْتَعْمَلُ مُسْتَقِلًّا، وَإِنَّمَا يُؤَكَّدُ بِهِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَكَتَصَدَّقْتُ بِهِ مَعَ إضَافَتِهِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ. وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِاللَّفْظِ أَيْضًا مَا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِنِيَّتِهِ بِمَوَاتٍ.

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: التَّأْبِيدُ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَمْ يَنْقَرِضْ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ كَالْفُقَرَاءِ، أَوْ عَلَى مَنْ يَنْقَرِضُ ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَنْقَرِضُ كَزَيْدٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، فَلَا يَصِحُّ تَأْقِيتُ الْوَقْفِ. فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى كَذَا سَنَةً لَمْ يَصِحَّ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ، فَإِنْ أَعْقَبَهُ بِمَصْرِفٍ كَوَقَفْتُهُ عَلَى زَيْدٍ سَنَةً ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ صَحَّ وَرُوعِيَ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ، أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالرِّبَاطِ كَقَوْلِهِ: جَعَلْته مَسْجِدًا سَنَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُؤَبَّدًا، كَمَا لَوْ ذَكَرَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى قَوْلِهِ كَعِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَالثَّانِي مَوْقُوفًا فَإِنَّهُمَا مِثَالٌ لِلْوَقْفِ فِي مَحْظُورٍ وَقَوْلُهُ " أَوْ كُتُبِ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ عِبَارَةُ غَيْرِهِ بِلَفْظِ كِتَابَةٍ فَيَكُونُ كَالْعِمَارَةِ؛ وَالتَّوْرَاةُ لِمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ صُحُفٍ عَشْرَةٍ قَبْلَهَا، وَالْإِنْجِيلُ لِعِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ: وَالتَّوْرَاةُ أَجَلُّ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَأَصْلُ تَوْرَاةٍ وَوْرَيَةٌ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً وَوَزْنُهَا تَفْعِلَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَوْ كَسْرِهَا، وَقِيلَ: وَزْنُهَا فَوْعَلَةٌ. وَالْإِنْجِيلُ بِالْكَسْرِ وَقَدْ يُفْتَحُ مِنْ النَّجْلِ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ خُلَاصَةِ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْوَلَدِ نَجْلُ أَبِيهِ كَأَنَّ الْإِنْجِيلَ اسْتَخْلَصَ خُلَاصَةَ نُورِ التَّوْرَاةِ، اهـ بِحُرُوفِهِ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ الثَّابِتِ فِي نُسَخٍ مُرَاعَاةً لِمَرْجِعِهِ وَهُوَ لَفْظُ الصِّيغَةِ. وَاَلَّذِي فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ مُحْتَمِلَةٌ لَهُمَا لِوُجُودِ حِبْرٍ عَلَى الْخَطِّ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا تَمْلِيكَ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهِ إزَالَةُ رِقٍّ عَلَى الْعَتِيقِ، وَمَعَ ذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِيهِ اللَّفْظُ فَشَرْطُهُ فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَى التَّمْلِيكِ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (مُحَرَّمَةً) أَيْ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ) أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى مُعَيَّنٍ وَلَوْ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَقْفِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي الْمِلْكِ كَتَصَدَّقْتُ بِهَذَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَخَالِدٍ مَثَلًا فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً وَلَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ، عَلَى سَبِيلِ الْمِلْكِيَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛؛ لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوُجِدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ) هُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ الشَّرْطِ الثَّالِثِ تَأَمَّلْ أج. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْبِيدِ هُنَا عَدَمُ التَّأْقِيتِ بِدَلِيلِ تَفْرِيعِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَالْفُقَرَاءِ) فَهَذَا يُقَالُ لَهُ تَأْبِيدٌ أَيْ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالتَّأْبِيدِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ تَأْقِيتُ الْوَقْفِ) وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُكَرَّرًا، لَكِنْ رُبَّمَا يُنَافِي فِي هَذَا الْمُرَادِ قَوْلَهُ كَالْوَقْفِ عَلَى إلَخْ تَأَمَّلْ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْبِيدِ عَدَمُ التَّأْقِيتِ فَيَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ، أَيْ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالتَّأْبِيدِ أَوْ أَطْلَقَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّارِحُ اقْتَصَرَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.

قَوْلُهُ: (تَأْقِيتُ الْوَقْفِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا لَوْ قَالَ وَقَفْته عَلَى الْفُقَرَاءِ أَلْفَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَبْعُدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُوَ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ عَدَمِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يَكُونُ الْمُرَادُ تَأْبِيدَ الْوَقْفِ بِمُدَّةِ بَقَاءِ الدُّنْيَا إلَيْهِ فَلَا يَرِدُ إطْلَاقُهُمْ اهـ إسْعَادٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَوْلُهُ " مِنْ عَدَمِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ بِذَلِكَ " أَيْ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ الطَّوِيلَةِ بَلْ يَكُونُ حَالًّا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اشْتَرَيْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي ذِمَّتِي مُؤَجَّلَةٍ بِأَلْفِ سَنَةٍ فَيَلْغُو هَذَا الْأَجَلُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ حَالًّا وَيَصِحُّ الْبَيْعُ.

قَوْلُهُ: (بِمَصْرِفٍ) أَيْ آخَرَ. قَوْلُهُ: (فِيمَا لَا يُضَاهِي) أَيْ يُشَابِهُ التَّحْرِيرَ أَيْ الْإِعْتَاقَ وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُشَابَهَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ إزَالَةٌ لَا إلَى مَالِكٍ وَوَقْفُ غَيْرِ الْمَسْجِدِ فِيهِ إزَالَةُ مَالِكٍ، وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْمُضَاهَاةِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ إزَالَةُ مِلْكٍ لَا إلَى مَالِكٍ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ) أَيْ فِي انْفِكَاكِهِ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ س ل فَلِقُوَّةِ جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَمَا بَعْدَهُ بِالشَّبَهِ الْمَذْكُورِ أُلْغِيَ التَّأْقِيتُ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>