للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّرْطُ السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ وَقَفْت كَذَا عَلَى كَذَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ. أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَجَعَلْتُهُ مَسْجِدًا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِهِ كَقَوْلِهِ وَقَفْت دَارِي بَعْدَ مَوْتِي عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَالَ الشَّيْخَانِ وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِقَوْلِ الْقَفَّالِ إنَّهُ لَوْ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ كَانَ رُجُوعًا، وَلَوْ نَجَّزَ الْوَقْفَ وَعَلَّقَ الْإِعْطَاءَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ جَازَ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى مَنْ شِئْت أَوْ فِيمَا شِئْت وَكَانَ قَدْ عَيَّنَ لَهُ مَا شَاءَ أَوْ مَنْ يَشَاءُ عِنْدَ وَقْفِهِ صَحَّ وَأُخِذَ بِبَيَانِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْته فِيمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالشَّرْطُ الثَّامِنُ: الْإِلْزَامُ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى كَذَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ فِي إبْقَاءِ وُقْفِهِ أَوْ الرُّجُوعِ فِيهِ مَتَى شَاءَ، أَوْ شَرَطَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ شَرَطَ عَوْدَهُ إلَيْهِ بِوَجْهِ مَا كَانَ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَدْخُلَ مَنْ شَاءَ وَيَخْرُجُ مَنْ شَاءَ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَالْعِتْقِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ بُطْلَانِ الْعِتْقِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ.

(وَهُوَ) أَيْ الْوَقْفُ (عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَمْ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

إعْطَاءٍ " كَأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى أَوْلَادِي الْآنَ وَلَا يُصْرَفُ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِي.

قَوْلُهُ: (نَقْلَ الْمِلْكِ) أَيْ إزَالَةِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ) أَيْ الْقَهْرُ مَيْدَانِيٌّ، أَيْ كَمَا فِي الْعِتْقِ فَإِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْقَهْرِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَعْضُهُ قَهْرًا إذَا اشْتَرَاهُ وَقَوْلُهُ " وَالسِّرَايَةِ " كَمَا فِي الْعِتْقِ أَيْضًا فِيمَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَسْرِي الْعِتْقُ لِلنِّصْفِ الثَّانِي بِخِلَافِ الْوَقْفِ فِيهِمَا، فَإِذَا وَقَفَ نِصْفَ دَارِهِ لَا يَسْرِي لِلْبَاقِي. وَهَذَا إشَارَةٌ لِقَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ قَبِلَ التَّعْلِيقَ كَالْخُلْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِشَوْبِ جَعَالَةٍ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، فَلَوْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيبَ الْجِعَالَةِ، وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ يَقْبَلُ السِّرَايَةَ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ أَيْضًا بِخِلَافِ الْوَقْفِ م د.

قَوْلُهُ: (فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ) وَلَا يَكُونُ مَسْجِدًا إلَّا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ زي.

قَوْلُهُ: (وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَالْحَاصِلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَصَايَا فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهُ وَفِي عَدَمِ صَرْفِهِ لِلْوَارِثِ، وَحُكْمُ الْأَوْقَافِ فِي تَأْبِيدِهِ وَعَدَمِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَعَلَّقَ الْإِعْطَاءَ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَوْقُوفِ لِلْوَاقِفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَمَا الْفَائِدَةُ لِلْفُقَرَاءِ فِي الْوَقْفِ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِيهِ لَهُمْ انْتِقَالُ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا يُشْبِهُ الْحِيلَةَ فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْفَوَائِدَ فِي هَذَا تَكُونُ لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَهُوَ يُشْبِهُهُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ فِيمَا شِئْت) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ. " وَفِي " بِمَعْنَى " عَلَى " وَالْأَوَّلُ الْعَاقِلُ وَالثَّانِي لِغَيْرِ الْعَاقِلِ كَالْمَسَاجِدِ.

وَقَوْلُهُ " وَكَانَ قَدْ عَيَّنَ إلَخْ " لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ) أَيْ الْوَاقِفُ، " وَكَانَ " زَائِدَةٌ، وَقَوْلُهُ " لَهُ " أَيْ لِلْوَقْفِ؛ فَالْمُنَاسِبُ وَقَدْ عَيَّنَ إلَخْ بِحَذْفِ كَانَ؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّهُ عَيَّنَ قَبْلَ الْوَقْفِ مَعَ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي حَالِ الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَنْ يَشَاءُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ مَنْ شَاءَهُ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَلَا يُعَيِّنُ فَلَا يَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَشَاء زَيْدٌ وَيَعْمَلُ بِبَيَانِ زَيْدٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ مَنْ يَرَاهُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ جَزْمًا. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (مِنْ بُطْلَانِ الْعِتْقِ) أَيْ إذَا أَعْتَقَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ الرُّجُوعِ أَوْ رِضَا فُلَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ نُفُوذُهُ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ دُونَ الْوَقْفِ، فَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ عَبْدِي وَأَبِيعُهُ مَتَى شِئْتُ بَطَلَ عَلَى قَوْلٍ، وَالرَّاجِحُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ لَا يَتَأَثَّرُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا مَرَّ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ) وَلِقُوَّةِ الْعِتْقِ، فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ كَمَا مَرَّ فِي التَّعْلِيقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>