أَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا هُوَ الْأَظْهَرُ، إذْ مَبْنَى الْوَقْفِ عَلَى اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ (مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَتَسْوِيَةٍ وَتَفْصِيلٍ) وَجَمْعٍ وَتَرْتِيبٍ وَإِدْخَالِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِخْرَاجِهِ بِصِفَةٍ مِثَالُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي بِشَرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَوْرَعُ مِنْهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَاقِينَ. وَمِثَالُ التَّسْوِيَةِ كَقَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَنْ يُصْرَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَمِثَالُ التَّفْضِيلِ كَقَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَنْ يُصْرَفَ لِزَيْدٍ مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو خَمْسُونَ. وَمِثَالُ الْجَمْعِ خَاصَّةً كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي أَصْلِ الْإِعْطَاءِ وَالْمِقْدَارِ بَيْنَ الْكُلِّ، وَهُوَ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَنُقِلَ عَنْ إجْمَاعِ النُّحَاةِ وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ إذْ الْمَزِيدُ لِلتَّعْمِيمِ فِي النَّسْلِ، وَمِثَالُ التَّرْتِيبِ خَاصَّةً كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْوَقْفُ مِنْ حَيْثُ صَرْفُهُ غَلَّتَهُ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا شَرَطَ إلَخْ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ اتِّبَاعِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ فَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَوْ اخْتِصَاصَ نَحْوِ مَسْجِدٍ بِطَائِفَةٍ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ رِعَايَةً لِغَرَضِهِ أَيْ فَشَرْطُهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ.
قَوْلُهُ: (الْمِلْكُ لَهُ) أَيْ لِلْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَزَالَ الْمِلْكَ عَنْ فُؤَادِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُهُ " أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ " وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْقَوْلَانِ ضَعِيفَانِ فِي مَذْهَبِنَا.
قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْفَكُّ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الِانْتِقَالِ إلَيْهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَكُلُّ الْمَوْجُودَاتِ بِأَسْرِهَا مِلْكٌ لَهُ تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَغَيْرِهِ وَإِنْ سُمِّيَ مَالِكًا فَإِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّوَسُّعِ وَالْمَجَازِ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ) أَيْ قَوْلُهُ أَمْ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (إذْ مَبْنَى الْوَقْفِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَرَطَ الْوَاقِفُ كَنَصِّ الشَّارِعِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَعَلَّلَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ رِعَايَةً لِغَرَضِهِ وَعَمَلًا بِشَرْطِهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ) بَيَانٌ لِمَا وَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ أَحَدِ الْمُتَلَازِمِينَ عَلَى الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (وَتَرْتِيبٍ) قَالَ ق ل: لَعَلَّهُ مُسْتَدْرَكٌ مَعَ قَوْلِهِ " تَقْدِيمٍ " اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا اسْتِدْرَاكَ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يُجَامِعُ التَّقْدِيمَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَا يُجَامِعُهُ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي بِشَرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَوْرَعُ مِنْهُمْ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا وَقْفُ جَمْعٍ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْوَاقِفِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَاقِينَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَقْفُ جَمْعٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ قَوْلُ الْوَاقِفِ بِشَرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَوْرَعُ فَالْأَوْرَعُ أَيْ يُقَدَّمُ بِكِفَايَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنْ فَضَلَ إلَخْ " فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَإِخْرَاجِهِ بِصِفَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا الصِّفَةُ السَّابِقَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِخْرَاجُهُ بِهَا؛ فَالْأَوْلَى الْإِضْمَارُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْوَاحِدَةَ لِلْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ " وَإِخْرَاجِهِ " مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً تَكُونُ غَيْرَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبِيٌّ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الْأَوْرَعُ) هُوَ مَنْ يَتَّقِي الشُّبُهَاتِ وَإِنْ زَادَ الْحَلَالُ عَلَى كِفَايَتِهِ، وَأَمَّا الزَّاهِدُ فَهُوَ مَنْ تَرَكَ الزَّائِدَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ الْحَلَالِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ) أَيْ عَنْ كِفَايَتِهِ. وَكُلُّ هَذَا مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ. فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ فَإِنْ فَضَلَ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ إذْ لَمْ يُجْعَلْ لِلْمُقَدَّمِ مِقْدَارٌ يُتَصَوَّرُ فِيهِ فَضْلٌ أَوْ عَدَمُهُ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَمِثَالُ التَّسْوِيَةِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي الْإِطْلَاقِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا بَعْدَهُ ق ل. فَهُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ الْجَمْعِ؛ فَإِنَّ فِيهِ تَسْوِيَةً كَمَا يَأْتِي؛ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ هُنَا وَمَا يَأْتِي مِنْ الْإِطْلَاقِ وَجَوْهَرِ اللَّفْظِ فَلَا تَكْرَارَ.
قَوْلُهُ: (وَمِثَالُ الْجَمْعِ خَاصَّةً) أَيْ بِدُونِ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ) ؛ لِأَنَّ " الْوَاوَ " حَرْفٌ مُشْتَرَكٌ.
قَوْلُهُ: (ذُكُورِهِمْ) أَيْ وَخَنَاثَاهُمْ. قَوْلُهُ: (وَنُقِلَ) أَيْ كَوْنُ الْوَاوِ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ سَفَلُوا، وَقِيلَ: إنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْبَطْنِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَكَذَا يُسَوَّى بَيْنَ الْجَمِيعِ