للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِفْظِهَا وَوَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِيهَا، هَذَا إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَخْذُهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» فَإِنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، لَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ مَجَّانًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الزَّرْكَشِيّ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْحِفْظِ، وَهُوَ فِي الْحَالِ أَمِينٌ وَلَكِنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ بَلْ خَافَ الْخِيَانَةَ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كُرِهَ لَهُ قَبُولُهَا خَشْيَةَ الْخِيَانَةِ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ الْحَالَ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.

تَنْبِيهٌ: أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ ثَلَاثَةٌ: الْحُكْمُ الْأَوَّلُ الْأَمَانَةُ، وَالْحُكْمُ الثَّانِي الرَّدُّ، وَالْحُكْمُ الثَّالِثُ الْجَوَازُ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَقَدْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِعَوَارِضَ غَالِبُهَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي) فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْوَدِيعَةَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَمَانَةٌ وَالْعَيْنُ لَا قَبُولَ فِيهَا وَإِنَّمَا الْقَبُولُ فِي الْإِيدَاعِ وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ قَاسِمٍ يَكُونُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ اسْتِخْدَامٌ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (أَيْ أَخْذُهَا) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْوَدِيعَةِ هُنَا أَحَدُ جُزْأَيْ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ حَتَّى يُرَادَ بِالْقَبُولِ الْجُزْءُ الْآخَرُ مِنْ الْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ قَدَرَ عَلَى حِفْظِهَا وَوَثِقَ) أَيْ حَالًا وَمَآلًا لَا فِيهِمَا، أَيْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْحِفْظِ وَالْوُثُوقُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ؛ فَالْقُيُودُ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَاتِهَا عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ.

قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ الِاسْتِحْبَابُ. قَوْلُهُ: (مَجَّانًا) وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاجِبِ كَتَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ وَسَقْيِ اللُّبَا وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَتَعْلِيمِ نَحْوِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ مَعَ دَفْعِ الْأُجْرَةِ لَهُ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْأُمَنَاءُ الْقَادِرُونَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ: تَعَيَّنَتْ عَلَى مَنْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ زِيَادِيٌّ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَأَلَهُ مِنْهُمْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ فَتَتْلَفَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ شُرُوطِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ الشَّارِحَ قَيَّدَهُ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ.

قَوْلُهُ: (حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا) أَيْ وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ فَتَكُونُ أَمَانَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الِاسْتِحْبَابُ، وَقَدْ تَخْرُجُ عَنْهُ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ لِعَوَارِضَ إنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَا غَيْرُهُ وَلَا يُجْبَرُ حِينَئِذٍ عَلَى إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ مَجَّانًا أَيْ بِلَا عِوَضٍ، وَتَحْرُمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ، وَتُكْرَهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ. هَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَالِكُ وَإِلَّا فَتُبَاحُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ) أَيْ الرَّشِيدُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ) أَيْ وَلَا كَرَاهَةَ فَتَكُونُ مُبَاحَةً فَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الزَّرْكَشِيّ) حَيْثُ قَالَ الْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا، أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْمُودَعِ فَلِإِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلْمُ الْمَالِكِ بِعَجْزِهِ لَا يُبِيحُ لَهُ الْقَبُولَ.

قَوْلُهُ: (أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ ثَلَاثَةٌ) الْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ الْأَحْوَالُ وَالصِّفَاتُ وَإِلَّا فَالْمَذْكُورُ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَوْ يُرَادُ بِالْأَحْكَامِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ النِّسَبُ التَّامَّةُ كَثُبُوتِ الْأَمَانَةِ وَثُبُوتِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ وَثُبُوتِ جَوَازِ الرَّدِّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ.

قَوْلُهُ: (الْجَوَازُ) أَيْ عَدَمُ لُزُومِهَا مِنْهُمَا، فَلِكُلٍّ فَسْخُهَا.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ هُنَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ وَقَعَ لَهُ نُسْخَةٌ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مُكَرَّرَةً، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ أَيْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ الْمَارِّ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (بِعَوَارِضَ) أَيْ ضَمَانِ يَدٍ لَا ضَمَانِ جِنَايَةٍ أَيْ فِي غَيْرِ مِثَالَيْ الشَّارِحِ، فَهُمَا مِنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا تَعَدَّى بِهِ وَبِغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي لَا يَضْمَنُ إلَّا بِمَا تَعَدَّى بِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْصِيرِ وَعَدَمِهِ وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَجُمْلَةُ الْعَوَارِضِ الْمَذْكُورَةِ عَشَرَةٌ ذَكَرَ الشَّارِحُ سَبْعَةً خَمْسَةٌ أَدْخَلَ عَلَيْهَا كَأَنَّ وَاثْنَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا سَارِقًا، وَذَكَرَ فِي الْمَتْنِ اثْنَيْنِ فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهَا إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " وَإِذَا طُولِبَ بِهَا إلَخْ " وَقَدْ نَظَمَهَا الدَّمِيرِيُّ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>