قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى مَا ذُكِرَ مَا لَوْ مَاتَ كَافِرٌ عَنْ زَوْجَةٍ كَافِرَةٍ حَامِلٍ وَوُقِفَ الْمِيرَاثُ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ مِنْهُ مَعَ حُكْمِنَا بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ يَوْمَ مَوْتِ أَبِيهِ وَقَدْ وَرِثَ مُذْ كَانَ حَمْلًا وَلِهَذَا قَالَ الْكَتْنَانِيُّ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ لَنَا جَمَادًا يَمْلِكُ وَهُوَ النُّطْفَةُ. وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْجَمَادُ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا كَانَ حَيَوَانًا. يَعْنِي وَلَا أَصْلَ حَيَوَانٍ. وَخَرَجَ بِمِلَّتَيْ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ مِلَّتَا الْكُفْرِ إذَا كَانَ لَهُمَا عَهْدٌ فَيَتَوَارَثَانِ كَيَهُودِيٍّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ، وَنَصْرَانِيٍّ مِنْ مَجُوسِيٍّ، وَمَجُوسِيٍّ مِنْ وَثَنِيٍّ وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّ جَمِيعَ مِلَلِ الْكُفْرِ فِي الْبُطْلَانِ كَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: ٣٢] . فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إرْثُ الْيَهُودِيِّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلَّةٍ إلَى مِلَّةٍ لَا يُقَرُّ؟ أُجِيبَ بِتَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ وَالنِّكَاحِ وَفِي النَّسَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَهُودِيًّا وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا، إمَّا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَعْدَ بُلُوغِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدَانِ وَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْيَهُودِيَّةَ وَالْآخَرُ النَّصْرَانِيَّةَ جُعِلَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا بِالْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ وَالْأُخُوَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ أَمَّا الْحَرْبِيُّ وَغَيْرُهُ كَذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا.
وَالثَّامِنُ إبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ، فَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي بِلَادِ غُرْبَةٍ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا عِلْمُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْمُسْلِمُ يَغْتَنِمُ مَالَ الْحَرْبِيِّ وَلَا يَرِثُهُ وَبِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنَاهُ عَلَى التَّوَالِي وَقَضَاءُ الْوَطَرِ وَالْإِرْثُ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ فَافْتَرَقَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ اتِّصَالُنَا بِهِمْ فِيهِ شَرَفٌ لَهُمْ اخْتَصَّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ اهـ.
قَوْلُهُ: (الْكَتْنَانِيُّ) وُجِدَ بِضَبْطِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: الْكَتْنَانِيُّ، بِتَاءٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ نُونٍ وَالتَّاءُ سَاكِنَةٌ وَالْكَافُ مَفْتُوحَةٌ.
قَوْلُهُ: (إنَّ لَنَا جَمَادًا يَمْلِكُ) قَدْ يُقَالُ: لَوْ قِيلَ لَنَا جَمَادٌ يَرِثُ لَكَانَ أَغْرَبَ لِظُهُورِ أَنَّ الْجَمَادَ قَدْ يَمْلِكُ كَالْمَسَاجِدِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُ مَا إذَا وُهِبَ لَهَا عَقَارٌ أَوْ نَحْوُهُ سم. وَقَوْلُهُ: " وَهُوَ النُّطْفَةُ " أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْتَدْخِلْهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، سم أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ فِي كَوْنِهِ جَمَادًا. قَوْلُهُ: (إذْ الْجَمَادُ إلَخْ) وَهَذَا مُخْرِجٌ لِلْحَمْلِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْكَتْنَانِيِّ بِالْجَمَادِ الْمَسْجِدَ إنْ لَمْ تُعْلَمْ إرَادَتُهُ الْحَمْلَ فَيَكُونُ النَّظَرُ مُتَوَجِّهًا عَلَى الشَّارِحِ، فَإِنْ عَلِمَ إرَادَتَهُ لَهُ تَوَجَّهَ النَّظَرُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ م ر أَنَّ تَفْسِيرَ الْجَمَادِ بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ فَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ فَيُرَادُ بِهِ فِي بَعْضِهَا مَا لَا رُوحَ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَتْنَانِيُّ صَحِيحٌ فِي الْحَمْلِ لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِبَعْضِ أَوْقَاتِهِ أَيْ وَقْتِ كَوْنِهِ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً، وَأَمَّا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْجَمَادِ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ عَلَى الْحَمْلِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ بِالْكُفْرِ قَدْ نُظِرَ فِيهِ فَحَرِّرْهُ؛ ح ف عَلَى الشِّنْشَوْرِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَالنِّكَاحُ) كَأَنْ تَزَوَّجَ يَهُودِيٌّ نَصْرَانِيَّةً فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَهَذَا غَيْرُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " إمَّا بِنِكَاحٍ " لِأَنَّ الْآتِيَ فِي حُكْمِ أَوْلَادِ الزَّوْجَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا دِينَ أَبِيهِ وَالْآخَرُ دِينَ أُمِّهِ. قَوْلُهُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ وَبَيْنَ أَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " بِالْأُبُوَّةِ إلَخْ " أَيْ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ وَرِثَ مِنْهُمَا أَبُوهُمَا وَأُمُّهُمَا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا فِي الدِّينِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْحَرْبِيُّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " إذَا كَانَ لَهُمَا عَهْدٌ " وَالْحَرْبِيُّ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ " فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ " وَالرَّابِطُ إعَادَتُهُ بِلَفْظِهِ. قَوْلُهُ: (وَمُعَاهَدٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا عَلَى صِيغَةِ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنْ اثْنَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ يَفْعَلُ بِصَاحِبِهِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ صَاحِبُهُ بِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ فِي الْمَعْنَى فَاعِلٌ، هَذَا كَمَا يُقَالُ مُكَاتَبٌ وَمُكَاتِبٌ وَمُضَارَبٌ وَمُضَارِبٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَا بِدَارٍ وَاحِدَةٍ، كَأَنْ عَقَدَ الذِّمَّةَ لِطَائِفَةٍ مِنْ بَلَدٍ وَاسْتَمَرَّ الْبَاقُونَ عَلَى الْحِرَابَةِ وَبَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ وَنَحْوُهَا. وَلَوْ قَالَ: فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، لَكَانَ أَخْصَرَ.
قَوْلُهُ: (إبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ) أَيْ انْبِهَامُهُ. وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي عَدِّ مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ وَهُوَ أَشْخَاصٌ وَالْإِبْهَامُ لَيْسَ مِنْهَا أَيْ الْأَشْخَاصِ بَلْ مِنْ الْمَوَانِعِ فَكَيْفَ عَدَّهُ مِنْهَا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ ذُو إبْهَامٍ أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي أُبْهِمَ وَقْتُ مَوْتِهِ أَيْ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute