للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبْقٍ أَوْ جَهْلٍ؛ لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ شَيْئًا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ كَمَا مَرَّ تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ وَالْجَهْلُ بِالسَّبْقِ صَادِقٌ بِأَنْ يُعْلَمَ أَصْلُ السَّبْقِ وَلَا يُعْلَمَ عَيْنُ السَّابِقِ وَبِأَنْ لَا يُعْلَمَ سَبْقٌ أَصْلًا. وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ خَمْسٌ: الْعِلْمُ بِالْمَعِيَّةِ الْعِلْمُ بِالسَّبْقِ وَعَيْنُ السَّابِقِ الْجَهْلُ بِالْمَعِيَّةِ وَالسَّبْقِ الْجَهْلُ بِعَيْنِ السَّابِقِ مَعَ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ الْتِبَاسُ السَّابِقِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، فَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ يُوقَفُ الْمِيرَاثُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ الصُّلْحِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ، وَفِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ تَرِكَةُ كُلٍّ مِنْ الْمَيِّتِينَ بِغَرَقٍ وَنَحْوِهِ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَرَّثَ الْأَحْيَاءَ مِنْ الْأَمْوَاتِ، وَهُنَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ عِنْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَرِثْ كَالْجَنِينِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا. وَالتَّاسِعُ الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ وَقَدْ مَرَّ مِثَالُهُ. وَالْعَاشِرُ اللِّعَانُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّوَارُثَ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي شَرْحِ كَافِيَتِهِ الْمَوَانِعُ: الْحَقِيقِيَّةُ أَرْبَعَةٌ: الْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ وَالدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ؛ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَتَسْمِيَتُهُ مَانِعًا مَجَازٌ. وَقَالَ فِي غَيْرِهِ: إنَّهَا سِتَّةٌ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالرِّدَّةُ وَاخْتِلَافُ الْعَهْدِ، وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا مَجَازٌ وَانْتِفَاءُ الْإِرْثِ مَعَهُ لَا لِأَنَّهُ مَانِعٌ بَلْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ كَمَا فِي جَهْلِ التَّارِيخِ، وَهَذَا أَوْجَهُ وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ لَا يَتَمَنَّى أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ مَوْتَهُمْ لِذَلِكَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُدْرَى هَلْ هُوَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذِكْرُ إبْهَامِ وَقْتِ الْمَوْتِ سَرَى لَهُ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِهِمْ لَهُ فِي مَوَانِعِ الْإِرْثِ، وَكَذَا الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ وَاللِّعَانُ سَرَيَا لَهُ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِهِمْ لَهُمَا فِي الْمَوَانِعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَقَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي شَرْحِ كَافِيَتِهِ الْمَوَانِعُ الْحَقِيقِيَّةُ أَرْبَعَةٌ حَيْثُ أَطْلَقَ عَلَيْهَا مَوَانِعُ شَيْخِنَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ هَدْمٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ: الِانْهِدَامُ وَلَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ، وَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ: الْمَهْدُومُ، وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ: الثَّوْبُ الْبَالِي، وَالْهَدْمَةُ الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَالِ، وَالْمُهَدَّمُ الْمُصْلَحُ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمَقْبُولِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، لِكَوْنِهِ أَهَدَمَ الشَّرَّ بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ: (مَعًا) فِيهِ أَنَّ مَوْتَهُمَا حِينَئِذٍ لَا إبْهَامَ فِيهِ وَالْكَلَامُ فِي إبْهَامِ وَقْتِ الْمَوْتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهَا تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ. قَوْلُهُ: (صَادِقٌ بِأَنْ يُعْلَمَ إلَخْ) فِي كَوْنِهِ صَادِقًا بِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالسَّبْقِ يُنَافِي عِلْمَ أَصْلِ السَّبْقِ فَكَيْفَ يَصْدُقُ بِهِ؟ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْجَهْلُ بِالْأَسْبَقِ صَادِقٌ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَكُونُ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ عِلْمُ سَبْقٍ أَوْ جَهْلٍ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَسْأَلَةِ مَوْتِ الْمُتَوَارِثَيْنِ بِغَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ هَدْمٍ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا إبْهَامٌ أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (مَجَازٌ) أَيْ بِالِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ بِأَنْ سَمَّيْنَا مَا لَيْسَ بِمَانِعٍ مَانِعًا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي قِيَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالشَّخْصِ الْمَمْنُوعِ. وَأَطْلَقْنَا عَلَيْهِ مَانِعًا لِأَنَّ الْمَانِعَ مَا يُجَامِعُ السَّبَبَ وَاللِّعَانُ يَقْطَعُ النَّسَبَ أَصْلًا، فَهُوَ مَانِعٌ لِلسَّبَبِ وَهُوَ النَّسَبُ لَا مَانِعَ لِلْإِرْثِ.

قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ) وَهُوَ الْإِسْلَامُ فِي الرِّدَّةِ وَاتِّفَاقِ الْعَهْدِ فِي الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي جَهْلِ التَّارِيخِ) فَإِنَّهُ عَدَمِيٌّ وَالْمَانِعُ وُجُودِيٌّ، وَالْمُرَادُ تَارِيخُ الْمَوْتِ بِأَنْ جُهِلَ السَّابِقُ.

قَوْلُهُ: (وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ) إنْ قُلْت: مَا فَائِدَةُ ذَلِكَ مَعَ خَتْمِ النُّبُوَّةِ بِنَبِيِّنَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَظْهَرُ فِي سَيِّدِنَا عِيسَى إذَا نَزَلَ فَإِنَّهُ لَا يُوَرَّثُ. قَوْلُهُ: «نَحْنُ مَعَاشِرَ» إلَخْ هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِ " نَحْنُ " قَالَ الْحُفَّاظُ: غَيْرُ مَوْجُودٍ وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ الْكُبْرَى: «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ» ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ خَالِدٍ فِي التَّصْرِيحِ. وَلَفْظُ " مَعَاشِرَ " مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: أَخَصُّ مَعَاشِرَ، جَمْعُ مَعْشَرٍ اسْمٌ لِجَمَاعَةِ الرِّجَالِ خَاصَّةً. اهـ. مِصْبَاحٌ.

قَوْلُهُ: «مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» فَيَصِيرُ مِنْ جِنْسِ الْأَوْقَافِ الْمُطْلَقَةِ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيُقَرُّ تَحْتَ يَدِ مُؤْتَمَنٍ عَلَيْهِ؛ وَلِذَا كَانَ عِنْدَ سَهْلٍ قَدَحٌ وَعِنْدَ أَنَسٍ آخَرُ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ آخَرُ وَكَانَ النَّاسُ يَشْرَبُونَ مِنْهَا تَبَرُّكًا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: ١٦] فَالْمُرَادُ مِنْهُ وَرِثَهُ فِي الْعِلْمِ اهـ؛ سُحَيْمِيٌّ. وَقِيلَ: إنَّ مَا تَرَكَهُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمْ فَيُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهَالِيِهِمْ كَحَيَاتِهِمْ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءُ يُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ، وَلَا يُنَافِيهِ إطْلَاقُ الْمَوْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>