للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُوصِي وَلَوْ بِمُعَاقَدَةِ وَلِيِّهِ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِدَابَّةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ. وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِمَيِّتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ إنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَهُنَاكَ مَيِّتٌ قُدِّمَ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ أَوْ الْمُحْدِثِ الْحَيِّ عَلَى الْأَصَحِّ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ وَصِيَّةٌ لِمَيِّتٍ بَلْ لِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ بِمُسْلِمٍ لِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً، وَلَا لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ لِلْجَهْلِ بِهِ. نَعَمْ إنْ قَالَ أَعْطُوا هَذَا لِأَحَدِ هَذَيْنِ صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ لِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَلَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ.

تَنْبِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُوصَى بِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُوصِي فَتَمْتَنِعُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْغَيْرِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْكِتَابَةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قِيَاسُ الْبَابِ الصِّحَّةُ، أَيْ يَصِيرُ مُوصًى بِهِ إذَا مَلَّكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَلَوْ فَسَّرَ الْوَصِيَّةَ لِلدَّابَّةِ بِالصَّرْفِ فِي عَلَفِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ عَلَفَهَا عَلَى مَالِكِهَا فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْوَصِيَّةِ، فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَيَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ كَالْعِتْقِ قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِدَابَّةٍ) سَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُفَسِّرْ الْوَصِيَّةَ لَهَا بِعَلَفِهَا، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ صَحَّتْ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا بِجَنْبِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ لَا تُمْلَكُ. وَفَارَقَتْ الْعَبْدَ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّهُ يُخَاطَبُ وَيَتَأَتَّى قَبُولُهُ، وَقَدْ يُعْتَقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بِخِلَافِهَا. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لَهَا بَلْ أَوْلَى أَيْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَضِيَّةُ هَذَا) أَيْ قَوْلِهِ " بِأَنْ يَتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ " وَقَوْلُهُ " لَا تَصِحُّ لِمَيِّتٍ " أَيْ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ.

قَوْلُهُ: (عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ) فَلَا تَصِحُّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا لِأَهْلِ الرِّدَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا) فِيهِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ عَيْنُ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَمَنْ عَبَّرَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ جِهَةٍ سَلِمَ مِنْ هَذَا، فَلَعَلَّ هَذَا التَّعْبِيرَ سَرَى إلَيْهِ مِنْهُ تَأَمَّلْ. وَالصَّوَابُ إبْدَالُ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْهَمًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلُ مُعَيَّنٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُبْهَمًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. وَعِبَارَةُ م د.

قَوْلُهُ: " مُعَيَّنًا " الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْجِهَةَ فَشَمِلَ الْمُتَعَدِّدَ كَأَوْلَادِ زَيْدٍ.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ بِمُسْلِمٍ) نَعَمْ إنْ أَسْلَمَ عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ لَهُ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَا لِأَحَدِ هَذَيْنِ) إذْ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْمُبْهَمِ وَأَمَّا أَعْطُوا هَذَا لِأَحَدِ هَذَيْنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ لِلْمُخَاطَبِ لِيُعْطِيَ أَيَّهمَا شَاءَ فَيَخْتَارَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَعِبَارَةُ سم: لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمُبْهَمِ لَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ أُعْطُوا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْهُ فَلَا يَضُرُّ الْإِبْهَامُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ.

قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ قَالَ أَعْطُوا إلَخْ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَوَصْلُهَا غَلَطٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ لَفْظِ الْعَطِيَّةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ لَفْظَ الْعَطِيَّةِ تَفْوِيضٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ لَا يُعْطِي إلَّا مُعَيَّنًا وَلِهَذَا صَحَّ بِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اهـ س ل.

قَوْلُهُ: (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ هُنَا لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا، وَأَيْضًا فَالْأَوْلَى تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالثَّانِيَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِإِعْطَاءِ الْوَارِثِ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ، أَيْ فَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ) أَيْ إنْ جُعِلَ تَابِعًا لِمَوْجُودٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِ مَوْجُودٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ الْقُرْبَةُ وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ كَالْوَقْفِ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: نَعَمْ إنْ جُعِلَ الْمَعْدُومُ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ كَأَنْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ زَيْدٍ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ صَحَّتْ لَهُمْ تَبَعًا قِيَاسًا عَلَى الْوَقْفِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا مُعَيَّنٌ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لِلدَّوَامِ الْمُقْتَضِي لِشُمُولِهِ لِلْمَعْدُومِ ابْتِدَاءً مَرْجُوحٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (يُؤْخَذُ إلَخْ) هَذَا الْأَخْذُ مَمْنُوعٌ إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ اعْتِبَارِ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى لَهُ وَكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُوصِي وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَزْمُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمُوصَى بِهِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا. وَكَانَ الْأَوْلَى أَخْذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَعَادَهَا الشَّارِحُ لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (قِيَاسُ الْبَابِ الصِّحَّةُ) مُعْتَمَدٌ، أَيْ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَسَّرَ الْوَصِيَّةَ لِلدَّابَّةِ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِدَابَّةٍ) فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لَهُ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّفْسِيرِ رَجَعَ إلَى وَارِثِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَادَ الْعَلَفَ صَحَّتْ وَإِلَّا حَلَفَ وَبَطَلَتْ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بَطَلَتْ فَتَصِحُّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>