إلَى جِهَةِ الدَّابَّةِ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْمُوصِي، وَلَا يُسَلَّمُ عَلَفُهَا لِلْمَالِكِ بَلْ يَصْرِفُهُ الْوَصِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَاضِي وَلَوْ بِنَائِبِهِ وَتَصِحُّ لِكَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا وَمُرْتَدًّا وَقَاتَلَ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمَا وَالْهِبَةِ لَهُمَا. وَصُورَتُهَا فِي الْقَاتِلِ أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ فَيَقْتُلَهُ، وَلِحَمْلٍ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا لِلْعَمَلِ بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهَا، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَلِأَرْبَعِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
صُورَةٍ وَتَبْطُلُ فِي صُورَتَيْنِ، وَلَوْ تَنَازَعَ الْوَارِثُ وَمَالِكُ الدَّابَّةِ فَقَالَ الْمَالِكُ أَرَادَ تَمْلِيكِي وَالْوَارِثُ تَمْلِيكَهَا صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَمِثْلُ الدَّابَّةِ الدَّارُ، فَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِهَذِهِ الدَّارِ بِكَذَا وَفَسَّرَ بِعِمَارَتِهَا صَحَّ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فِي عَلَفِهَا) بِسُكُونِ اللَّامِ مَصْدَرٌ، وَبِفَتْحِهَا وَهُوَ الْمَأْكُولُ. قَوْلُهُ: (صَحَّ) فَمَحْمَلُ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَا إذَا قَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عَلَفَهَا عَلَى مَالِكِهَا) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَالِكٌ، فَالْوَصِيَّةُ لِعَلَفِ الطُّيُورِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ بَاطِلَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْوَقْفِ عَمِيرَةُ.
قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ مَالِكَهَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا تَجَمُّلًا أَوْ مُبَاسَطَةً، وَإِلَّا مَلَكَهَا مِلْكًا مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ دَفَعَ دِرْهَمًا لِآخَرَ وَقَالَ لَهُ اشْتَرِ بِهِ عِمَامَةً مَثَلًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ الَّتِي تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهَا أَيْ فَيَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ مَالِكُهَا مِلْكًا مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَلَوْ انْتَقَلَتْ الدَّابَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِمُشْتَرٍ انْتَقَلَتْ الْوَصِيَّةُ مَعَهَا فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَهُ فَالْوَصِيَّةُ لِلْبَائِعِ، فَإِذَا قَبِلَهَا صَرَفَهَا لِلدَّابَّةِ وَإِنْ صَارَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَلَّمُ عَلَفُهَا لِلْمَالِكِ) أَيْ لَا يُجْبَرُ الْوَارِثُ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (بَلْ يَصْرِفُهُ الْوَصِيُّ) أَيْ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِنَائِبِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ النَّائِبُ مَالِكَ الدَّابَّةِ. وَلَوْ تَوَقَّفَ الصَّرْفُ عَلَى مُؤْنَةٍ كَأَنْ عَجَزَ الْوَصِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ عَنْ حَمْلِ الْعَلَفِ أَوْ تَقْدِيمِهِ إلَيْهَا أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ بِهَا أَحَدٌ فَهَلْ تَتَعَلَّقُ تِلْكَ الْمُؤْنَةُ بِالْمُوصَى بِهِ فَتُصْرَفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الْقِيَامِ بِتِلْكَ الْوَصِيَّةِ أَوْ تَتَعَلَّقُ بِمَالِك الدَّابَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَوْصَى بِعَلَفٍ لِدَابَّةٍ لَا تَأْكُلُهُ عَادَةً، فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَوْ يُصْرَفُ لِمَالِكِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي غَيْرُ بَعِيدٍ. وَلَوْ كَانَ الْعَلَفُ الْمُوصَى بِهِ مِمَّا تَأْكُلُهُ عَادَةً لَكِنْ عُرِضَ لَهَا امْتِنَاعُهَا مِنْ أَكْلِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ أَيِسَ مِنْ أَكْلِهَا إيَّاهُ عَادَةً صَارَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمَالِكِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ وَإِلَّا حُفِظَ إلَى أَنْ يَتَأَتَّى أَكْلُهَا. اهـ. سم عَلَى حَجّ.
قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ لِكَافِرٍ) تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ " لِكُلِّ مُتَمَلِّكٍ ".
قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَرْبِيًّا) أَيْ وَإِنْ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ لِفُلَانٍ الْحَرْبِيِّ. وَقَوْلُهُ " وَمُرْتَدًّا " أَيْ لَمْ يَمُتْ عَلَى رِدَّتِهِ؛ مَرْحُومِيٌّ. وَخَالَفَ الْوَقْفَ بِأَنَّهُ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ فَاعْتُبِرَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الدَّوَامُ وَالْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ لَا دَوَامَ لَهُمَا. اهـ. مَدَابِغِيٌّ. وَمِثْلُهُ ح ل. وَاعْتَمَدَ ع ش أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِعِلْيَةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ لِأَجْلِ حِرَابَتِهِ أَوْ رِدَّتِهِ فَتَفْسُدُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ حَامِلًا عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَصُورَتُهُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ وَلَمْ يَزِدْ وَكَانَ فِي الْوَاقِعِ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ ذَاتَهمَا لَا وَصْفَهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَيَقْتُلُهُ) فَهُوَ قَاتِلٌ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ وَخَبَرُ: «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ وَصِيَّةٌ» ضَعِيفٌ سَاقِطٌ، وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْتُلُهُ اهـ. أَمَّا لَوْ أَوْصَى لِمَنْ يَرْتَدُّ أَوْ يُحَارِبُ أَوْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَقْتُلُ غَيْرَهُ عُدْوَانًا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " عُدْوَانًا " مَفْهُومُهُ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْتُلُ خَطَأً سم. وَقَضِيَّتُهُ صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْحَرْبِيِّ لِمَنْ يَقْتُلُهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَاسَ بِالْحَرْبِيِّ كُلُّ مَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَلَا نَظَرَ لِتَعْزِيرِ قَاتِلِ نَحْوِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ قَاتِلِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى خَارِجٍ وَهُوَ الِافْتِيَاتُ عَلَى الْإِمَامِ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (وَلِحَمْلٍ) وَيُقْبَلُ لَهُ وَلِيُّهُ وَلَوْ وَصِيًّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا، فَلَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَمْ يَكْفِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَقِيلَ: يَكْفِي، كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ إلَخْ؛ وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ. اهـ. س ل.
قَوْلُهُ: (حَيَا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً) فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ تَبْطُلْ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ أَخَذَهَا وَرَثَةُ الْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْبَلْ قَبْلَ الْآنَ وَأَخَذَ الْوَصِيَّةَ لِوَرَثَةِ الْحَمْلِ.
فَرْعٌ أَوْصَى بِحَمْلٍ لِحَمْلٍ، فَإِنْ وُلِدَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ تَصِحَّ، وَكَذَا إنْ وُلِدَ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ. اهـ. س ل.