وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ) بَعْضِ (الْأَحْكَامِ) كَصِحَّةٍ وَفَسَادٍ (وَ) مِنْ (الْقَضَايَا) الْآتِي ذِكْرُ بَعْضِهَا فِي الْفُصُولِ الْآتِيَةِ.
(وَالنِّكَاحُ) بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ (مُسْتَحَبٌّ) لِتَائِقٍ لَهُ بِتَوَقَانِهِ لِلْوَطْءِ إنْ وَجَدَ أُهْبَتَهُ مِنْ مَهْرٍ وَكُسْوَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
هُنَا الدِّينُ أَيْ مَنْ أَحَبَّ دِينِي.
قَوْلُهُ: «فَلْيَسْتَسِنَّ بِسُنَّتِي» أَيْ دِينِي، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ صَرَفَتْ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ التَّزْوِيجَ مَخَافَةَ الْعَالَةِ فَلَيْسَ مِنِّي» اهـ، أَيْ فَإِنَّ ضَمَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَخَافُ الْعُسْرَ وَالْفَقْرَ إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ التَّحْصِينُ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ أَحْبَبْت أَنْ أَتَزَوَّجَ حَتَّى لَا أَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا " وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: أَلَك زَوْجَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَأَنْتَ صَحِيحٌ سَلِيمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إنَّك إذًا مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ إنَّ أَشْرَارَكُمْ عُزَّابُكُمْ» الْحَدِيثَ. وَتَزَوَّجَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ وَفَاةِ امْرَأَتِهِ: وَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَبِيتَ عَزَبًا.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا» وَفِي رِوَايَةٍ: «تَكَاثَرُوا» وَأَصْلُهُ " تَتَكَاثَرُوا " وَتَمَامُهُ: «فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ حَتَّى بِالسِّقْطِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ بِكَثْرَةِ الْأَتْبَاعِ اللَّازِمِ لَهَا كَثْرَةُ الثَّوَابِ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أُمَّةَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُلُثَا أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا اسْتَفَادَ الْمَرْءُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ بِمَالِهَا وَنَفْسِهَا» . وَوَرَدَ: " لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَرْخَى عَلَيْهِنَّ الْحَيَاءَ لَبَرَكْنَ تَحْتَ الرِّجَالِ فِي الْأَسْوَاقِ " كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ؛ وَالْحَيَاءُ فِي اللُّغَةِ هُوَ انْكِسَارٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ فِعْلِ مَا يُعَابُ عَلَيْهِ وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ مِنْ طَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَفْعُولُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ، فَفِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ لِكَلَامِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (بَعْضِ الْأَحْكَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ الْمُفِيدَةُ عَدَمُ ذِكْرِ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَحْكَامِ جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: " وَالْقَضَايَا جَمْعُ قَضِيَّةٍ بِمَعْنَى مَقْضِيٍّ بِهَا فَهِيَ النِّسْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فَعَطْفُهَا تَفْسِيرٌ، وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْقَضَايَا الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيزَانِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْرَافٍ الْمَحْمُولُ وَالْمَوْضُوعُ وَالنِّسْبَةُ. قَوْلُهُ: (كَصِحَّةٍ) أَيْ كَثُبُوتِ صِحَّةِ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ اللُّغَوِيُّ، وَأَمَّا نَفْسُ الصِّحَّةِ فَحُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ مُرَادًا.
قَوْلُهُ: (وَفَسَادٍ) أَيْ وَحِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْقَضَايَا.
قَوْلُهُ: (وَالنِّكَاحُ مُسْتَحَبٌّ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَحْكَامٍ: الِاسْتِحْبَابُ لِلتَّائِقِ الْوَاجِدِ وَلَيْسَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْكَرَاهَةُ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ الْفَاقِدِ لِلْأُهْبَةِ أَوْ بِهِ عِلَّةٌ وَكَوْنُهُ خِلَافَ الْأَوْلَى إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَفَقْدُ الْأُهْبَةِ وَكَوْنُهُ أَوْلَى إنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَلَمْ يَتَخَلَّ لِلْعِبَادَةِ. وَزَادَ الرَّمْلِيُّ الْوُجُوبَ إنْ خَافَ الْعَنَتَ وَتَعَيَّنَ طَرِيقًا وَوَجَدَ الْأُهْبَةَ وَالْإِبَاحَةَ، كَمَا إذَا أُرِيدَ مُجَرَّدُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ؛ وَلِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا حُرْمَتُهُ فَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَيَحْرُمُ لِمَنْ عَلِمَتْ مِنْ نَفْسِهَا عَدَمَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَلَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ) الْأَوْلَى بِمَعْنَى التَّزَوُّجِ وَهُوَ الْقَبُولُ وَإِطْلَاقُ النِّكَاحِ عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ شَبَهُ اسْتِخْدَامٍ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ النِّكَاحَ أَوَّلًا فِي التَّرْجَمَةِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ ثُمَّ أَعَادَهُ بِلَفْظِهِ بِمَعْنَى التَّزَوُّجِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَحَبٌّ إلَخْ) وَقُيِّدَ ذَلِكَ بِقَيْدَيْنِ، وَأُخِذَ مُحْتَرَزُ الثَّانِي أَوَّلًا ثُمَّ أُخِذَ مُحْتَرَزُ الْأَوَّلِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوِّشِ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجِبُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بَعْضُهُمْ مَا إذَا نَذَرَهُ حَيْثُ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَأَنْ قَصَدَ بِهِ غَضَّ الْبَصَرِ، وَاسْتَثْنَى بَعْضٌ آخَرُ حَالَةَ خَوْفِ الْعَنَتِ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّسَرِّي، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِمَا إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الزِّنَا؛ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ انْعِقَادِ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنَّهُ إنْ قُصِدَ بِهِ طَاعَةٌ مِنْ وَلَدٍ صَالِحٍ أَوْ