فَصْلِ التَّمْكِينِ وَنَفَقَةِ يَوْمِهِ تَحْصِينًا لِدِينِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَمْ لَا، فَإِنْ فَقَدَ أُهْبَتَهُ فَتَرْكُهُ أَوْلَى وَكُسِرَ إرْشَادًا تَوَقَانُهُ بِصَوْمٍ لِخَبَرِ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» أَيْ قَاطِعٌ لِتَوَقَانِهِ، وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ مُؤَنُ النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ تَنْكَسِرْ بِالصَّوْمِ فَلَا يَكْسِرُهُ بِالْكَافُورِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
إعْفَافٌ فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَمُبَاحٌ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي صُورَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فَظَلَمَ وَاحِدَةً بِتَرْكِ الْقَسَمِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوفِيَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا لِيُوفِيَهَا حَقَّهَا بِنَظِيرِ مَا ظَلَمَ بِهِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَحْرُمُ طَلَاقُهَا وَيَكُونُ طَلَاقُهَا بِدْعِيًّا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ تَوْفِيَةِ حَقِّهَا مِمَّا ظَلَمَهَا بِهِ. وَلَنَا وَجْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأُمَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ قَطَرٍ عَلَى تَرْكِهِ أُجْبِرُوا عَلَيْهِ وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: ٦١] اهـ ذَكَرَهُ النَّسَّابَةُ.
قَوْلُهُ: (لِتَائِقٍ) أَيْ مُشْتَاقٍ لَهُ أَيْ النِّكَاحِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْبَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنُ النِّكَاحِ، لَكِنْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِتَوَقَانِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَلَمَّا كَانَ. قَوْلُهُ لِتَائِقٍ لَهُ أَيْ النِّكَاحِ يُوهِمُ أَنَّهُ تَائِقٌ لِلنِّكَاحِ بِمَعْنَى الْقَبُولِ أَوَّلَهُ بِقَوْلِهِ بِتَوَقَانِهِ لِلْوَطْءِ أَيْ وَلَوْ خَصِيًّا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِحْيَاءِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَهْرٍ) أَيْ الْحَالِّ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ زَائِدٌ عَنْ مَسْكَنِهِ وَخَادِمِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَمَلْبُوسِهِ.
قَوْلُهُ: (يَوْمِهِ) أَيْ يَوْمِ التَّمْكِينِ. وَقَوْلُهُ: " تَحْصِينًا " عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " مُسْتَحَبٌّ ".
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ مُشْتَغِلًا) أَيْ لِوُجُودِ التَّوَقَانِ مَعَ الْأُهْبَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِ التَّائِقِ الْآتِي إذَا وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَلَا عِلَّةَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَهُوَ أَفْضَلُ.
قَوْلُهُ: (إرْشَادًا) أَيْ أَمَرَهُ الشَّارِعُ أَيْ أَرْشَدَهُ وَدَلَّهُ عَلَيْهِ لَا أَمْرَ وُجُوبٍ، وَالْإِرْشَادُ مَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ النَّفْسِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ امْتَلَأَ الْإِنَاءُ مَاءً أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ الْإِرْشَادِيِّ؛ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ الصَّوْمِ سَوَاءٌ لَاحَظَ امْتِثَالَ الشَّارِعِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ شَأْنُ كُلِّ مَا كَانَ رَاجِعًا لِتَكْمِيلٍ شَرْعِيٍّ كَمَا هُنَا لِرُجُوعِهِ إلَى الْعِفَّةِ، أَمَّا مَا لَا يَكُونُ لِتَكْمِيلٍ شَرْعِيٍّ كَالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا قَصَدَ امْتِثَالَ الشَّارِعِ وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ. قَالَ م ر فِي بَابِ الْمِيَاهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ " مَا نَصُّهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ فَاعِلَ الْإِرْشَادِ لِمُجَرَّدِ غَرَضِهِ لَا يُثَابُ وَلِمُجَرَّدِ الِامْتِثَالِ يُثَابُ وَلَهُمَا ثَوَابًا أَنْقَصَ مِنْ ثَوَابٍ مِنْ مَحْضِ قَصْدِ الِامْتِثَالِ، اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (بِصَوْمٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الصَّوْمُ يُثِيرُ الْحَرَكَةَ وَالشَّهْوَةَ أَوَّلًا، فَإِذَا دَاوَمَ سَكَنَتْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا دَخَلَ لِلصَّوْمِ فِي الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْسِرُ شَهْوَتَهَا. قَالَ سم: فِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ مَا الْمَانِعُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ إذَا كَانَتْ حَاجَتُهَا الشَّهْوَةَ فَتَكْسِرُهَا بِالصَّوْمِ فَلْيُرَاجَعْ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ طِبِّيٌّ لَا دَخْلَ لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ فَكَيْفَ يَقُولُ مَا الْمَانِعُ.
قَوْلُهُ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ» أَيْ الرِّجَالِ، وَخَصَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَكْسِرُ شَهْوَتَهُمْ الصَّوْمُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَلَا يَكْسِرُ شَهْوَتَهَا الصَّوْمُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْمَعْشَرُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يَجْمَعُهُمْ وَصْفٌ وَاحِدٌ كَمَا هُنَا. وَإِنَّمَا خُصَّ الشَّبَابُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِمْ أَغْلَبُ وَإِلَّا فَغَيْرُهُمْ مِثْلُهُمْ.
قَوْلُهُ: «فَلْيَتَزَوَّجْ» الْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدْبِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ إلَخْ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ؛؛ لِأَنَّ عَدَمَ النِّكَاحِ لَيْسَ فِيهِ غَضٌّ لِلْبَصَرِ وَلَا إحْصَانٌ لِلْفَرْجِ.
قَوْلُهُ: «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ» الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالصَّوْمُ مُبْتَدَأٌ وَمَا قَبْلَهُ خَبَرٌ، أَيْ فَالصَّوْمُ عَلَيْهِ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ اسْمُ فِعْلٍ وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وَالصَّوْمُ مَفْعُولٌ بِهِ. وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى: فَلْيَلْزَمْ الصَّوْمَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لِلْغَائِبِ وَهُوَ شَاذٌّ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ:
وَشَذَّ إيَّايَ وَإِيَّاهُ أَشَذُّ
الْبَيْتَ. أَيْ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فَعَلَيْكُمْ أَوْ فَعَلَيْك بِالصَّوْمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إغْرَاءٌ لِلْمُخَاطَبِ فَهُوَ مِنْ الْقَاعِدَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: " فَعَلَيْهِ " نَظَرًا لِلَفْظِ مِنْ وَمَدْخُولُ مِنْ فِي الْمَعْنَى مُخَاطَبٌ وَهُوَ وَمِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ فَهُوَ