إلَّا لِعُذْرٍ كَضَعْفِ آلَتِهِ عَنْ الِافْتِضَاضِ، أَوْ احْتِيَاجِهِ لِمَنْ يَقُومُ عَلَى عِيَالِهِ، دَيِّنَةً لَا فَاسِقَةً جَمِيلَةً وَلُودًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» أَيْ افْتَقَرْت إنْ لَمْ تَفْعَلْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
نَقِّلْ فُؤَادَك حَيْثُ شِئْت مِنْ الْهَوَى ... مَا الْحُبُّ إلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ
كَمْ مَنْزِلٍ فِي الْأَرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى ... وَحَنِينُهُ أَبَدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ
اهـ
قَوْلُهُ: «هَلَّا بِكْرًا» إلَخْ هِيَ حَرْفُ تَنْدِيمٍ أَيْ إيقَاعٍ فِي النَّدَمِ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَاضٍ؛ فَالْمَعْنَى هُنَا: وَقَعْت فِي النَّدَمِ يَا جَابِرُ؛ فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مُضَارِعٍ تَكُونُ لِلتَّحْضِيضِ وَهُوَ الطَّلَبُ بِحَثٍّ وَإِزْعَاجٍ. قَوْلُهُ: (عَنْ الِافْتِضَاضِ) بِالْفَاءِ أَوْ الْقَافِ، وَهُوَ إزَالَةُ الْبَكَارَةِ.
قَوْلُهُ: (دَيِّنَةً) أَيْ بِحَيْثُ يُوجَدُ فِيهَا وَصْفُ الْعَدَالَةِ لَا الْعِفَّةِ عَنْ الزِّنَا فَقَطْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا فَاسِقَةً. وَإِذَا تَعَارَضَ عَلَى الْعَارِفِ الزَّوَاجُ بِالْكِتَابِيَّةِ وَتَارِكَةِ الصَّلَاةِ قَدَّمَ الْكِتَابِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْدِيهَا إلَى الْإِسْلَامِ وَغَيْرِ الْعَارِفِ يُقَدِّمُ تَارِكَةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَةَ رُبَّمَا تَجُرُّهُ إلَى دِينِهَا. وَقَوْلُهُ قَدَّمَ الْكِتَابِيَّةَ؛ لِأَنَّ تَارِكَةَ الصَّلَاةِ مُرْتَدَّةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَنَا ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (جَمِيلَةً) أَيْ بِاعْتِبَارِ طَبْعِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَوْ سَوْدَاءَ مَثَلًا وَإِنْ قُلْنَا الْجَمَالُ عُرْفِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْعِفَّةِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِجَمَالٍ بِحَسْبِ طَبْعِهِ، لَكِنْ تُكْرَهُ بَارِعَةُ الْجَمَالِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَزْهُوَ أَيْ تَتَكَبَّرَ لِجَمَالِهَا أَوْ تُمَدُّ الْأَعْيُنُ إلَيْهَا زِيَادِيٌّ.
قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْمُرَادُ بِالْجَمَالِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْمُسْتَحْسَنُ لِذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا سَلِمَتْ ذَاتُ جَمَالٍ قَطُّ أَيْ مَا سَلِمَتْ مِنْ التَّكَلُّمِ فِيهَا أَيْ مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ تَطَلُّعِ فَاجِرٍ إلَيْهَا أَوْ تَقَوُّلِهِ عَلَيْهَا كَمَا فِي ع ش. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْحُسْنُ فِي الْعَيْنَيْنِ وَالْجَمَالُ فِي الْأَنْفِ وَالْخَدِّ وَالْمَلَاحَةُ فِي الْفَمِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالْمَلَاحَةِ كَمَا فِي ح ل. قَوْلُهُ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ» هُوَ بَيَانٌ لِمَا هُوَ حَالُ النَّاسِ مِنْ الرَّغْبَةِ فِيهَا لَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ، ق ل؛ أَيْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ لِمَالِهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَالنِّكَاحُ لِبَاقِي الْأَرْبَعَةِ مَطْلُوبٌ. وَيُسَنُّ أَيْضًا أَنْ لَا تَكُونَ صَاحِبَةَ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِك، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: لَا تَتَزَوَّجْ خَمْسًا: شَهْبَرَةً وَهِيَ الزَّرْقَاءُ الْبَذِيَّةُ وَلَا لَهْبَرَةً وَهِيَ الطَّوِيلَةُ الْمَهْزُولَةُ وَلَا نَهْبَرَةً وَهِيَ الْعَجُوزُ الْمُدْبِرَةُ وَلَا هَنْدَرَةً وَهِيَ الْقَصِيرَةُ الدَّمِيمَةُ وَلَا لَفُوتًا وَهِيَ ذَاتُ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِك» زِيَادِيٌّ.
وَقَوْلُهُ: " وَهِيَ الزَّرْقَاءُ " أَيْ فِي الْعَيْنِ الْبَذِيَّةُ أَيْ فِي اللِّسَانِ، وَقَوْلُهُ: وَهِيَ الْقَصِيرَةُ الدَّمِيمَةُ أَوْ الْمُكْثِرَةُ لِلْهَذْرِ أَيْ الْكَلَامِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. وَالدَّمِيمَةُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْقَبِيحَةُ الصُّورَةِ. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَسْتَشِيرَ مِائَةَ نَفْسٍ وَأَنَّهُ اسْتَشَارَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَجُلًا، وَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَقَالَ بَقِيَ وَاحِدٌ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَطْلُعُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَآخُذُ بِقَوْلِهِ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ طَلَعَ رَجُلٌ رَاكِبٌ قَصَبَةً فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ فَقَالَ لَهُ: النِّسَاءُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدَةٌ لَك وَوَاحِدَةٌ عَلَيْك وَوَاحِدَةٌ لَا لَك وَلَا عَلَيْك فَالْبِكْرُ لَك وَذَاتُ الْوَلَدِ عَلَيْك وَالثَّيِّبُ لَا لَك وَلَا عَلَيْك. ثُمَّ قَالَ: أَطْلَقَ الْجَوَادَ؛ فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِقِصَّتِك، فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَاتَ قَاضٍ فَرَكِبْت هَذِهِ الْقَصَبَةَ وَتَبَالَهْتُ لِأَخْلُصَ مِنْ الْقَضَاءِ " اهـ خ ط.
وَعَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُ خَمْسَةٍ: أَنَّانَةٌ وَحَنَّانَةٌ وَحَدَّاقَةٌ وَشَدَّاقَةٌ وَبَرَّاقَةٌ، أَمَّا الْأَنَّانَةُ فَهِيَ كَثِيرَةُ الْأَنِينِ وَالتَّشَكِّي وَتُعَصِّبُ رَأْسَهَا كُلَّ سَاعَةٍ فَنِكَاحُ الْمَرِيضَةِ وَالْمُتَمَرِّضَةِ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَالْحَنَّانَةُ الَّتِي تَحِنُّ إلَى زَوْجٍ آخَرَ كُلَّ سَاعَةٍ وَهَذِهِ مِمَّا يَنْبَغِي اجْتِنَابُهَا، وَالْحَدَّاقَةُ هِيَ الَّتِي تَرْمِي بِحَدَقَتِهَا إلَى كُلِّ شَيْءٍ وَتُكَلِّفُ زَوْجَهَا شِرَاءَهُ؛ وَالْبَرَّاقَةُ لَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ طُولَ النَّهَارِ فِي تَصْقِيلِ وَجْهِهَا وَتَزْيِينِهِ وَالثَّانِي تَغْضَبُ عَلَى الطَّعَامِ وَلَا تَأْكُلُ إلَّا وَحْدَهَا وَتَشْتَغِلُ بِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالشَّدَّاقَةُ الْمُتَشَدِّقَةُ الْكَثِيرَةُ الْكَلَامُ. وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَنْكِحَ أَعْلَى مِنْهُ قَدْرًا وَنَسَبًا وَمَالًا وَجَاهًا وَأَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَرَفُّعِهَا عَلَى الزَّوْجِ وَاسْتِقْلَالِهَا بِهِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِ، وَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى النُّشُوزِ وَالْمُخَالَفَةِ وَالْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ وَعَدَمِ تَمْكِينِهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى قَطْعِ الْعِشْرَةِ؛ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ مِثْلَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ وَدُونَ ذَلِكَ لِيَعْظُمَ عِنْدَهَا قَدْرُهُ وَتَرَى مَا يُحْضِرُهُ إلَيْهَا مِنْ مَأْكَلٍ وَمَلْبَسٍ حَسَنًا عَظِيمًا؛ قَالَ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: ٣٤] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: " وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مَنْ هِيَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْغِنَى "؛ لِأَنَّهَا قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute