للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاسْتَغْنَيْت إنْ فَعَلْت. وَخَبَرِ: «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا بِأَقَارِبِهَا، نَسِيبَةً أَيْ طَيِّبَةَ الْأَصْلِ لِخَبَرِ: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ» غَيْرَ ذَاتِ قَرَابَةٍ قَرِيبَةٍ بِأَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً، أَوْ ذَاتَ قَرَابَةٍ بَعِيدَةٍ لِضَعْفِ الشَّهْوَةِ فِي الْقَرِيبَةِ فَيَجِيءُ الْوَلَدُ نَحِيفًا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَا تَجِدُ عِنْدَهُ مَا كَانَتْ تَجِدُ عِنْدَ أَهْلِهَا فَلَا يَحْصُلُ الْوِفَاقُ وَرُبَّمَا يَحْصُلُ الشِّقَاقُ؛ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ النَّسَّابَةُ. وَيُزَادُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي حَمْلِهَا خِلَافٌ كَأَنْ زَنَى أَوْ تَمَتَّعَ بِأُمِّهَا أَوْ بِهَا أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ أَوْ شَكٌّ بِنَحْوِ رَضَاعٍ، اهـ ابْنُ حَجَرٍ.

قَوْلُهُ: (وَلِحَسَبِهَا) أَيْ لِشَرَفِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النَّسَبُ الطَّيِّبُ. وَلَوْ تَعَارَضَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ فَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ ذَاتِ الدِّينِ مُطْلَقًا ثُمَّ الْعَقْلِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ ثُمَّ النَّسَبِ ثُمَّ الْبَكَارَةِ ثُمَّ الْوِلَادَةِ ثُمَّ الْجَمَالِ ثُمَّ مَا الْمَصْلَحَةُ فِيهِ أَظْهَرُ بِحَسْبِ اجْتِهَادِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ ابْنِ حَجَرٍ الْوِلَادَةَ عَلَى النَّسَبِ وَالْبَكَارَةِ فَتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَاظْفَرْ) جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ إذَا تَحَقَّقْت أَمْرَهَا وَفَضِيلَتَهَا فَاظْفَرْ بِهَا تَرْشُدْ فَإِنَّك تَكْتَسِبُ مَنَافِعَ الدَّارَيْنِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (تَرِبَتْ يَدَاكَ) مَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ الْتَصَقَتَا بِالتُّرَابِ وَمَنْ لَازَمَهُ الْفَقْرُ فَفَسَّرَهُ هُنَا بِاللَّازِمِ وَالْقَصْدُ مِنْهُ اللَّوْمُ لَا الدُّعَاءُ الْحَقِيقِيُّ ع ش وَمَا قِيلَ إنَّ مَعْنَى تَرِبَتْ اسْتَغْنَتْ بِأَنْ صَارَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَالِ لِكَثْرَتِهِ كَالتُّرَابِ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ افْتَقَرَتْ لَقَالَ أُتْرِبَتْ فَاسِدٌ مَنَابِذُ لِلْمُرَادِ مِنْ الْحَدِيثِ إلَّا إنْ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى إنْ فَعَلْتَ أَيْ ظَفِرْتَ بِذَاتِ الدِّينِ اهـ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ مَا نَصُّهُ يُقَالُ تَرِبْت إذَا افْتَقَرَتْ وَأُتْرِتَبْ إذَا اسْتَغْنَتْ يَعْنِي إنْ ظَفِرْتَ بِهَا اسْتَغْنَتْ يَدَاك وَالتُّرَابُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَالِ كَقَوْلِهِمْ مَالُ فُلَانٍ عَدَدُ التُّرَابِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَفِي لُغَةِ الْقِبْطِ ثَرِبَتْ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَمَعْنَاهَا امْتَلَأَتْ يَدُك شَحْمًا إنْ ظَفِرْت بِذَاتِ الدِّينِ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّرْبِ وَهُوَ الشَّحْمُ الْمُحِيطُ بِالْكَرِشِ وَقِيلَ اسْتَوَتْ يَدَاك فِي الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ إذَا ظَفِرْت بِذَاتِ الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: ٣٧] يَعْنِي مُتَسَاوِيَاتِ السِّنِّ وَالْقَدِّ حَكَاهُ فِي الْوَافِي

وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ بِالْيَدَيْنِ نِعْمَتَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤] أَيْ نِعْمَتَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْمَعْنَى إنْ ظَفِرْت بِذَاتِ الدِّينِ ظَفِرْت بِنِعْمَتَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اهـ قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَفْعَلْ أَيْ إنْ لَمْ تَفْعَلْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَوْدَاءُ وَلُودٌ خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٍ» قَوْلُهُ أَيْ طَيِّبَةَ الْأَصْلِ أَيْ لَا مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَيِّبَةَ الْأَصْلِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ بِأَرْبَعٍ وَإِلَّا اسْتَحْقَرَتْهُ بِالسِّنِّ وَالطُّولِ وَالْمَالِ وَالْحَسَبِ وَأَنْ تَكُونَ فَوْقَهُ بِأَرْبَعٍ بِالْجَمَالِ وَالْأَدَبِ وَالْخُلُقِ وَالْوَرَعِ قَوْلُهُ «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ» وَوَرَدَ «إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ قَالُوا مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي الْمَنْبَتِ السُّوءِ» فَشَبَّهَ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَصْلُهَا رَدِيءٌ بِالْقِطْعَةِ الزَّرْعِ الْمُرْتَفِعَةِ عَلَى غَيْرِهَا الَّتِي مَنْبَتُهَا مَوْضِعُ رَوْثِ الْبَهَائِمِ قَوْلُهُ أَوْ ذَاتَ قَرَابَةٍ بَعِيدَةٍ بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ زَيْنَبَ مَعَ أَنَّهَا بِنْتُ عَمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ جَوَازِ نِكَاحِ زَوْجَةِ الْمُتَبَنَّى لِأَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ زَيْدٍ وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ أَيْضًا بِتَزَوُّجِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِأَنَّهَا بَعِيدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إذْ هِيَ بِنْتُ ابْنِ عَمِّهِ لَا بِنْتُ عَمِّهِ اهـ زي

قَالَ السَّيِّدُ النَّسَّابَةُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مِنْ أَقَارِبِهِ الْبُعْدَى فَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْكِحَ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَجِيءُ أَحْمَقَ قَالَ وَقَدْ رَأَيْنَا جَمَاعَةً تَزَوَّجُوا مِنْ أَقَارِبِهِمْ فَجَاءَتْ أَوْلَادُهُمْ حُمُقًا لَكِنْ قَدْ تَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ وَهِيَ مِنْ الْأَقَارِبِ تَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ وَوَلَدَتْ لَهُ الْإِمَامَ السِّبْطَ الْحَسَنَ وَهُوَ أَوَّلُ أَوْلَادِهَا وَلَدَتْهُ بِالْمَدِينَةِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمَّا وُلِدَ وَأُعْلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أَخَذَهُ وَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ وَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَوُلِدَ لَهُ أَيْضًا مِنْهَا الْحُسَيْنُ وَزَيْنَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>