للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزِّنَا. وَلَوْ وَجَدَتْ الْأَمَةُ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا وَأَرَادَتْ إبْطَالَ النِّكَاحِ وَادَّعَى الزَّوْجُ حُدُوثَ الْجَبِّ بَعْدَ النِّكَاحِ وَأَمْكَنَ حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حُدُوثُهُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مُنْدَمِلًا وَقَدْ عُقِدَ النِّكَاحُ أَمْسِ حُكِمَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ إسْلَامُهَا لِمُسْلِمٍ حُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فَلَا تَحِلُّ لَهُ كِتَابِيَّةٌ أَمَّا الْحُرُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] وَأَمَّا غَيْرُ الْحُرِّ فَلِأَنَّ الْمَانِعَ نِكَاحَهَا كُفْرُهَا، فَسَاوَى الْحُرَّ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَمَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْ الْإِمَاءِ كَأَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ فَتَزَوَّجَ أَمَةً بِمِصْرٍ ثُمَّ خَلَّفَهَا فِيهَا وَذَهَبَ إلَى الْحِجَازِ فَخَافَ الْعَنَتَ وَلَحِقَهُ مَشَقَّةٌ فِي الذَّهَابِ إلَى زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ فَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ أُخْرَى وَخَلَّفَهَا فِيهِ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْيَمَنِ وَهَكَذَا إلَى أَرْبَعٍ، وَلَهُ جَمْعُهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ؛؛ لِأَنَّ طُرُوُّ الْيَسَارِ لَا يَضُرُّ وَإِنْ أَمِنَ الزِّنَا وَقَدَرَ عَلَى الْحُرَّةِ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنَّ الْمَمْسُوحَ إلَخْ) خَرَجَ بِهِمَا الْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ فَلَهُمَا نِكَاحُ الْأَمَةِ بِشَرْطِهِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَجْبُوبِ الذَّكَرِ مُطْلَقًا إذْ لَا يُخْشَى الزِّنَا، وَمِثْلُهُ الْعِنِّينُ وَحُلَّ لِلْمَمْسُوحِ. وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا " سَوَاءٌ وُجِدَتْ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَأَرَادَتْ إبْطَالَ النِّكَاحِ) أَيْ بِدَعْوَاهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَجْبُوبٌ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ فَحْلٌ وَأَنَّ هَذَا الْجَبَّ عَارِضٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ يَدُلَّ الْحَالُ عَلَى كَذِبِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.

فَائِدَةٌ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ: خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُقَيَّدٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَبِفِقْدَانِ مَهْرِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحُهُ غِنًى عَنْ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَبِرِقِّ الْوَلَدِ وَمَنْصِبُهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ، وَلَوْ قُدِّرَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ كَانَ وَلَدُهُ مِنْهَا حُرًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ قُلْنَا بِجَرَيَانِ الرِّقِّ عَلَى الْعَرَبِ. وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْمَغْرُورِ بَحْرِيَّة أَمَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ فَاتَ الرِّقُّ بِظَنِّهِ، وَهُنَا الرِّقُّ مُتَعَذِّرٌ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ خَوْفُ الْعَنَتِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ لِعِصْمَتِهِ وَلَا فَقْدُ الطَّوْلِ. وَلَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَمَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ أُمَّتِهِ، فَإِنَّ جَوَازَ تَزْوِيجِهِمْ بِالْأُمَّةِ خَوْفُ الْعَنَتِ. وَفِقْدَانُ الطَّوْلِ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى وَاحِدَةٍ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ: وَلَوْ قُدِّرَ نِكَاحُ غَرُورٍ فِي حَقِّهِ لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ لَا يَنْعَقِدُ رَقِيقًا، فَمَعَ الْجَهْلِ بِهِ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ: وَفِي تَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَظَرٌ إذَا قُلْنَا إنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ حَرَامٌ مَعَ كَوْنِهِ لَا إثْمَ فِيهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُصَانَ جَانِبُهُ عَنْهُ وَأَنْ يُقَالَ بِجَوَازِهِ لِفَقْدِ الْإِثْمِ.

وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ قَطُّ اضْطِرَارٌ إلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ، بَلْ لَوْ أَعْجَبَتْهُ أَمَةٌ وَجَبَ عَلَى مَالِكِهَا بَذْلُهَا إلَيْهِ هِبَةً قِيَاسًا عَلَى الطَّعَامِ، أَيْ عَلَى وُجُوبِ بَذْلِهِ. وَكَانَ إذَا خَطَبَ امْرَأَةً فَرُدَّ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا أَيْ إلَى خِطْبَتِهَا، وَهَذَا مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «كَانَ إذَا خَطَبَ فَرُدَّ لَمْ يَعُدْ فَخَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَتْ حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أَبِي فَاسْتَأْمَرَتْهُ: فَأَذِنَ فَلَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ لَهُ فَقَالَ: قَدْ الْتَحَفْنَا لِحَافًا غَيْرَك» . فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: فَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ قِيَاسًا عَلَى إمْسَاكِ كَارِهَتِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ثُمَّ إنَّ هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ بِوَجْهٍ فَإِثْبَاتُهَا بِهِ مِنْ قَبِيلِ الرَّجْمِ بِالْغَيْبِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَلَعَلَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، وَلِكَوْنِهِ يَكُونُ تَقْيِيدًا لِكَلَامِ الْمَتْنِ فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (إسْلَامُهَا) أَيْ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِكَافِرٍ فَلَا يُؤَثِّرُ كُفْرُ سَيِّدِهَا لِحُصُولِ صِفَةِ الْإِسْلَامِ فِيهَا. وَاسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُهَا. وَيُجَابُ بِتَصْوِيرِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ أَوْ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا تَقِرُّ فِي يَدِ الْكَافِرِ وَفِي مُكَاتَبَةٍ أَسْلَمَتْ اهـ م ر.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَحِلُّ لَهُ كِتَابِيَّةٌ) أَيْ أَمَةٌ، أَيْ بِخِلَافِ التَّسَرِّي فَإِنَّهُ يَجُوزُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ بِأَنَّ الْوَلَدَ رَقِيقٌ فِي النِّكَاحِ وَحُرٌّ فِي التَّسَرِّي لِكَوْنِهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٥] وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا نُقْصَانٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَثَّرَ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ وَهُمَا الْكُفْرُ وَالرِّقُّ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُهَا كَالْحُرَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ لِاجْتِمَاعِ نَقْصِ الْكُفْرِ وَعَدَمِ الْكِتَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>