فَإِنْ بَانَ رَجُلًا اكْتَفَيْنَا بِذَلِكَ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْعَقْدِ عَلَى الْخُنْثَى أَوْ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ.
(وَ) السَّادِسُ (الْعَدَالَةُ) وَهِيَ مَلَكَةٌ فِي النَّفْسِ تَمْنَعُ مِنْ اقْتِرَافِ الذُّنُوبِ، وَلَوْ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ وَالرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ غَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُجْبِرًا كَانَ أَمْ لَا فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَمْ لَا، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ» . قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْمُرَادُ بِالْمُرْشِدِ الْعَدْلُ. وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُجَابَ بِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَفِي الثَّانِي مَعْقُودٌ لَهُ فَيُحْتَاطُ لَهُمَا اهـ ق ل بِزِيَادَةٍ. وَوَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ عَيْنُ الدَّعْوَى فَتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: نَعَمْ إنْ بَانَا ذَكَرَيْنِ صَحَّ كَمَا لَوْ بَانَ الْوَلِيُّ ذَكَرًا بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى خُنْثَى أَوْ لَهُ وَبَانَ أُنْثَى أَوْ ذَكَرًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْوِلَايَةَ مَقْصُودَانِ لِغَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فَاحْتِيطَ لَهُمَا. قَوْلُهُ: (أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَدَالَةُ) مِنْ لَازِمِهَا الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا كَالْمِنْهَاجِ كَانَ كَافِيًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يُعْلَمُ نَصًّا وَمَا يُعْلَمُ الْتِزَامًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُنَافِي انْعِقَادَهُ بِالْمَسْتُورَيْنِ. قُلْت: لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرُّخْصَةِ أَوْ أَنَّ الِانْعِقَادَ بِالْعَدْلِ قَطْعًا، وَبِالْمَسْتُورِينَ عَلَى الصَّحِيحِ شَرْحُ م ر أج. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوَلِيِّ عَدَمُ الْفِسْقِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ وَاسِطَةً عَلَى كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْعَدَالَةُ الَّتِي تُقْبَلُ مَعَهَا الشَّهَادَةُ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهَا مُرُوءَةٌ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَالرَّذَائِلُ الْمُبَاحَةُ مِنْ تَعْرِيفِ الْمُرُوءَةِ لَا مِنْ تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ.
قَوْلُهُ: (مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ. وَقَوْلُهُ: " تَمْنَعُ إلَخْ " أَيْ تَمْنَعُ مِنْ اقْتِرَافِ أَيْ ارْتِكَابِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَا ذُكِرَ، فَبِاقْتِرَافِ الْفَرْدِ مِنْ ذَلِكَ تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ. أَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ كَكِذْبَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَرَرٌ وَنَظْرَةٌ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمَنْعُ مِنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا اهـ م د وَغَيْرُهُ. وَهَذَا يُنَاسِبُ عِبَارَةَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَنَصُّهَا: مِنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ. وَهَذِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ صَغَائِرَ غَيْرِ الْخِسَّةِ مُخِلٌّ بِالْعَدَالَةِ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ: " مَلَكَةٌ " أَيْ كَيْفِيَّةٌ أَيْ صِفَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ، وَقَبْلَ رُسُوخِهَا تُسَمَّى حَالًا وَهَيْئَةً، وَهِيَ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ) كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ، أَيْ نَقْصِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَزِيَادَتِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ تَغْلِبْ طَاعَتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّذَائِلِ) بِالْجَرِّ جَمْعُ رَذِيلَةٍ، وَهِيَ الْأَمْرُ الْمُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ كَمَشْيِ الْفَقِيهِ حَافِيًا أَوْ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الذُّنُوبِ، وَالرَّذَائِلُ الْمُبَاحَةُ لَا تُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ بَلْ بِالْمُرُوءَةِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ إلَخْ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ ق ل. وَلَوْ أَذِنَتْ لَهُ وَهُوَ عَدْلٌ ثُمَّ فَسَقَ ثُمَّ تَابَ فَقِيَاسُ مَا قِيلَ إنَّهَا أَوْ أَذِنَتْ لِلْقَاضِي فَعُزِلَ ثُمَّ وُلِّيَ احْتَاجَ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْوِلَايَةِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ اهـ ع ش عَلَى م ر.
وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مَنْ يُرِيدُ الزَّوَاجَ يَأْخُذُ حَصِيرَ الْمَسْجِدِ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُرِيدُونَ الْعَقْدَ فِيهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُفَسِّقًا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ اعْتِقَادُهُمْ إبَاحَةَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ، وَبِتَقْدِيرِ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فَيُمْكِنُ أَنَّ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ لَا يُوجِبُ فِسْقًا. وَوَقَعَ السُّؤَالُ أَيْضًا عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ لُبْسِ الْقَوَاوِيقِ الْقَطِيفَةِ لِلشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ هَلْ هُوَ مُفَسِّقٌ يُفْسِدُ الْعَقْدَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّهُودِ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْعَقْدَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ لَابِسِينَ ذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّ فِيهِمْ اثْنَيْنِ سَالِمَيْنِ مِنْ ذَلِكَ اُعْتُدَّ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ حُضُورُهُمَا اتِّفَاقًا؛ وَأَمَّا فِي الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ إنْ اتَّفَقَ لُبْسُهُ لِذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ كَجَهْلِهِ بِالتَّحْرِيمِ، وَمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (مُجْبِرًا كَانَ أَمْ لَا) وَقِيلَ: يَكْفِي فِي الْمُجْبِرِ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ لِوُفُورِ شَفَقَةِ الْمُجْبِرِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ.
قَوْلُهُ: (فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَمْ لَا) وَقِيلَ إنْ فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ ضَرَّ لِاخْتِلَالِ