كَانَ لَوْ سَلَبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ وُلِّيَ وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَلَا سَبِيلَ إلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِهِ إذْ الْفِسْقُ قَدْ عَمَّ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ لِلضَّرُورَةِ وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ، أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، فَعَلَيْهِ إنَّمَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ غَيْرُهُ كَبَنَاتِ غَيْرِهِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُزَوِّجُ اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً، فَإِنَّ الْعَدَالَةَ مَلَكَةٌ تَمْنَعُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
نَظَرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَقَ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَمْ لَا) وَقِيلَ إنْ أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ إلَخْ) يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِقَوْلِ الْمَتْنِ وَالْعَدَالَةِ، وَلِقَوْلِ الشَّارِحِ: فَلَا تَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ.
قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَ) أَيْ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ. وَقَوْلُهُ " وُلِّيَ " جَوَابُ " لَوْ " الْأُولَى، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ الْفَاسِقِ. وَقَوْلُهُ " لَانْتَقَلَتْ " جَوَابُ " لَوْ " الثَّانِيَةِ، وَجُمْلَتُهَا خَبَرُ " كَانَ ". وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا " أَيْ بِأَنْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ لِحَاكِمٍ عَادِلٍ فَلَا، أَيْ فَلَا يَلِي الْوَلِيُّ الْخَاصُّ الْفَاسِقُ بَلْ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ الْعَادِلِ.
قَوْلُهُ: (إذْ الْفِسْقُ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، إذْ لَا مَعْنَى لِلِانْتِقَالِ مِنْ فَاسِقٍ إلَى فَاسِقٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُزَوِّجُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ سَلَبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ، أَوْ الْمُرَادُ بِإِطْلَاقِهِ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْوَلِيِّ الْخَاصِّ مُطْلَقًا؛ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ لِلضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا، فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ. وَحَاصِلُهُ إبْدَاءُ فَرْقٍ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَلِيِّ بِمَا ذَكَرَ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ أَيُّ فَارِقٍ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: " وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ " الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَهُ اسْتِطْرَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " غَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ " لَكِنْ يَكُونُ مُكَرَّرًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا تَقَدَّمَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلِيٌّ فَاسِقٌ هَلْ يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ أَوْ لَا؟ وَهُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْأَعَمِّ أَوْ عَدَمِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ بِالْمَرَّةِ، وَمِثْلُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ نَائِبُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر، أَوْ الْمُرَادُ الْأَعْظَمُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ. وَلَا يُنَافِيه قَوْلُهُ الْآتِي: " فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامِلَةِ "؛ لِأَنَّ نَائِبَهُ وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ فِي عُقُودِ النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ لِنَاحِيَتِهِ، وَمَالَ م ر إلَى أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِغَيْرِ الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لَهُ فِي حَقِّهِنَّ غَيْرُ مَحْضَةٍ بِخِلَافِ بَنَاتِ غَيْرِهِ فَلَا يُزَوِّجُهُنَّ بِالْإِجْبَارِ، وَكَذَا لَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِغَيْرِ الْإِجْبَارِ مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ خَاصٍّ كَجَدٍّ أَوْ عَمٍّ أَوْ نَحْوِهِ فَيُقَدَّمُ الْجَدُّ.
قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ.
قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ فَلَا يُزَوِّجُ. وَهَذَا إذَا كَانَ فَاسِقًا، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِالْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ وَبِالْإِجْبَارِ إنْ كُنَّ مُجْبَرَاتٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَاسِقًا وَآلَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فِي تَزْوِيجِ بَنَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي بَنَاتِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لَا إجْبَارَ فِيهَا. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا م د: قَوْلُهُ: " إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ " أَيْ فَمَحَلُّ تَزْوِيجِهِ لِبَنَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ جَدٌّ أَوْ عَمٌّ أَوْ نَحْوُهُ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَالْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ بَنَاتِهِ لَوْ كُنَّ أَبْكَارًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إجْبَارٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لَا إجْبَارَ فِيهَا، لَكِنْ مَالَ م ر فِي غَيْرِ شَرْحِهِ لِتَزْوِيجِهِ بِالْإِجْبَارِ وَنَظَرَ فِيهِ سم: وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر، نَصُّهَا: وَلَوْ كُنَّ أَبْكَارًا هَلْ يُجْبِرُهُنَّ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ جَازَ لَهُ التَّزْوِيجُ أَوْ لَا وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لَا الْخَاصَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَمَالَ م ر لِلْأَوَّلِ اهـ سم عَلَى حَجّ؛ لَكِنْ مُقْتَضَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ خَاصٌّ الثَّانِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي تَزْوِيجِهِ فَقْدَ الْقَرِيبِ الْعَدْلِ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَخٌ أَوْ نَحْوُهُ فَتَمَحَّضَ تَزْوِيجُهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْإِجْبَارَ بَلْ عَدَمَهُ.
قَوْلُهُ: (كَبَنَاتِ غَيْرِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ أَعْنِي الْإِمَامَ لَا يُزَوِّجُهُنَّ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ لَهُنَّ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) غَرَضُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمَتْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي الشَّاهِدَيْنِ لَا الْوَلِيِّ، بَلْ شَرْطُهُ عَدَمُ