ثُمَّ شَرَعَ فِي كَوْنِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ يَلِي الْكَافِرَةَ الْأَصْلِيَّةَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ إلَى إسْلَامِ الْوَلِيِّ) وَلَوْ كَانَتْ الذِّمِّيَّةُ عَتِيقَةَ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ فَيُزَوِّجُ الْيَهُودِيُّ نَصْرَانِيَّةً وَالنَّصْرَانِيُّ يَهُودِيَّةً كَالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالْإِرْثِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِحَرْبِيٍّ عَلَى ذِمِّيَّةٍ وَبِالْعَكْسِ، وَأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسَّقُ فِي دِينِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْكَافِرَةِ كَالْفَاسِقِ عِنْدَنَا فَلَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا فَيُزَوِّجُهَا كَمَا تَقَرَّرَ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ وِلَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحْضُ وِلَايَةٍ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهَا الْكَافِرُ، وَالْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ كَمَا يُرَاعِي حَظَّ مُوَلِّيَتِهِ يُرَاعِي حَظَّ نَفْسِهِ أَيْضًا فِي تَحْصِينِهَا وَدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْكَافِرَةِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَ قَاضِيهِمْ بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ وَإِنْ صَدَرَ مِنْ قَاضِيهِمْ، أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَلِي مُطْلَقًا لَا عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلَا عَلَى مُرْتَدَّةٍ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إلَخْ) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مُحْتَرَزَ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ فَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْوَلِيِّ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا نِكَاحُ الْأَمَةِ " اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْعَدَالَةِ فِي الْوَلِيِّ، إلَّا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ وَالشُّرُوطُ لِلْوِلَايَةِ بِالنَّسَبِ.
قَوْلُهُ: (إلَى إسْلَامِ الْوَلِيِّ) يُوهِمُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْمُسْلِمَ يَلِي نِكَاحَ الذِّمِّيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي كَالْإِرْثِ مَعَ قَوْلِهِ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ إلَى إسْلَامِ الْوَلِيِّ أَيْ فَيَلِيهَا الْعَدْلُ فِي دِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا لَا بِالْحِرَابَةِ وَغَيْرِهَا كَالْإِرْثِ، نَعَمْ الْمُرْتَدُّ لَا وِلَايَةَ لَهُ مُطْلَقًا وَلَا يَصِحُّ مِنْ قَاضِي الْكُفَّارِ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ مِنْ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُزَوِّجُ الْكَافِرَةَ وَبِالْعَكْسِ، بَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ الْمُوَافِقِ فِي الدِّينِ.
قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُزَوِّجُ كَافِرَةً كَمَا أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُ قَاضِيًا فَيُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ. قَوْلُهُ: (وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسَّقُ إلَخْ) غَرَضُهُ تَقْيِيدُ الْمَتْنِ، أَيْ أَنَّ مَحَلَّ تَزْوِيجِ الْكَافِرِ إنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا يُزَوِّجُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيَلِي كَافِرٌ لَمْ يَرْتَكِبْ مَحْظُورًا فِي دِينِهِ كَافِرَةً وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ مُسْلِمَةٍ أَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا فَيَلِي الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيُّ الْيَهُودِيَّةَ كَالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] اهـ وَقَوْلُهُ: " لَمْ يَرْتَكِبْ " أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ غَيْرُهُ عَدْلٌ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الْعَدَالَةُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ، وَيُعْرَفُ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِإِخْبَارِ عَدَدٍ تَوَاتَرَ أَوْ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ أَسْلَمَا مِنْهُمْ كَانَا يَعْرِفَانِهِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا ذَلِكَ) أَيْ الْمُحَرَّمُ الْمُفَسَّقُ فِي دِينِهِ.
قَوْلُهُ: (مَحْضُ وِلَايَةٍ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا حَظَّ لَهُ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْحَظُّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَاعْتَبَرْنَا الْعَدَالَةَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ، فَقَوْلُهُ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَالْحَظُّ لَهُ وَلِمُوَلِّيَتِهِ فَاكْتَفَيْنَا بِعَدَالَتِهِ فِي دِينِهِمْ دُونَ شَهَادَةِ أَهْلِ دِينِهِمْ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْغَيْرِ) وَهُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ إلَخْ) وَحَيْثُ كَانَ يُرَاعِي حَظَّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِيه ذَلِكَ عَنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ.
قَوْلُهُ: (فِي تَحْصِينِهَا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَ قَاضِيهِمْ) أَيْ بَلْ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهَا الْكَافِرُ الْخَاصُّ، وَلِقَاضِينَا أَنْ يُزَوِّجَهُ الْكَافِرَةَ عِنْدَ فَقْدِ وَلِيِّهَا الْخَاصِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ نِكَاحَ الْكُفَّارِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْفَرْقِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا اخْتِلَافَ الدَّارِ كَاخْتِلَافِ الدِّينِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُرْتَدُّ) مُحْتَرَزُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ.