للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْدَحُ الْعَمَى فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَحْثِ وَالسَّمَاعِ وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ إنْ وُلِّيَ وَلَوْ حَاكِمًا أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَكِيلٍ عَنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ لِحَدِيثِ: «الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ» الْكَافُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا، وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَيْهِ " فَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ صَحَّ تَزْوِيجُهُ كَبَقِيَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَهَذَا يُسَمَّى بِالسَّفِيهِ الْمُهْمَلِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ) وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الصَّرْعُ، فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ مِنْهُ أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ، أَمَّا إذَا كَانَ الِانْتِظَارُ أَكْثَرَ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ. وَمِثْلُ الْإِغْمَاءِ فِيمَا ذَكَرَ السُّكْرُ بِلَا تَعَدٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ بِهِ فَقَدْ فَسَقَ بِذَلِكَ فَتَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ. وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى الثَّلَاثِ انْتَظَرَ وَإِنْ كَانَ فَوْقَهَا انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ تَضَرَّرَتْ فِي مُدَّةِ الِانْتِظَارِ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي م ر، وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ دَعَتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاحِ فِي زَمَنِ الْإِغْمَاءِ أَوْ السُّكْرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا عَدَمُ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ لَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي اهـ. وَالْجُنُونُ لَا تُنْتَظَرُ الْإِفَاقَةُ مِنْهُ مُطْلَقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ م د. وَيُشْتَرَطُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ صَفَاؤُهُ مِنْ أَثَرِ خَبْلٍ يُحْمَلُ عَلَى حِدَّةِ خُلُقٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: " أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَّ النَّظَرِ ". قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: جَعَلُوا الْإِغْمَاءَ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ السَّوَالِبِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا، وَهُنَا انْتَظَرُوا وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ وَالْوَلِيُّ يَتَعَاطَى حَقَّ نَفْسِهِ، فَاحْتِيطَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ مَا لَمْ يُحْتَطْ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ إذْ الْمُوَكِّلُ إمَّا أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِانْعِزَالِ الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْوَلِيِّ قَدْ لَا يَجِدُ مَنْ يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ كَهُوَ اهـ. وَلَوْ أَخْبَرَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِأَنَّ مُدَّتَهُ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ، فَلَوْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَزَالَ الْمَانِعُ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ بَانَ بُطْلَانُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ زَوَّجَ الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ فَبَانَ عَدَمُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى) أَيْ فِي الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَأَمَّا مَنْ وَلَّاهُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ أَيْ الْأَعْمَى وِلَايَةَ عَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ وَلَّيْتُك أَمْرَ هَذَا الْعَقْدِ، بِخِلَافِ تَوْكِيلِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ وَكَّلْتُك فِي هَذَا الْعَقْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ عَقْدَهُ بِمَهْرٍ مُعَيَّنٍ لَا يُشْبِهُ شِرَاءَهُ بِمُعَيَّنٍ أَوْ بَيْعَهُ بِهِ اهـ يَعْنِي أَنَّ الْأَعْمَى إذَا عَقَدَ بِمَهْرٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَغَا الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَا إذَا عَقَدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، أَيْ كَأَنْ قَالَ الْأَعْمَى: زَوَّجْتُك بِنْتِي مَثَلًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَكَانَتْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهَا وَيُوَكِّلُ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ، بِخِلَافِ شِرَائِهِ بِمُعَيَّنٍ أَوْ بَيْعِهِ بِهِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَنَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُقَابِلِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُقَابِلِ اهـ.

وَلَا يَقْدَحُ الْخَرَسُ إنْ كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ وَإِلَّا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِفَهْمِ إشَارَتِهِ فَطِنٌ بِأَنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ بَاشَرَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا وَكَّلَ بِإِشَارَةٍ وَكِتَابَةٍ وَإِنْ كَانَا كِنَايَتَيْنِ، وَلَا يُبَاشِرُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ؛ وَكَتَزْوِيجِهِ تَزَوُّجُهُ اهـ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعِبَارَةُ ع ش: أَمَّا إذَا فَهِمَهَا الْفَطِنُ دُونَ غَيْرِهِ سَاوَتْ الْكِنَايَةَ فَيَصِحُّ نِكَاحُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا حَيْثُ تَعَذَّرَ تَوْكِيلُهُ، وَلَيْسَ لَنَا نِكَاحٌ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ إلَّا بِالْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ إذَا اخْتَصَّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ التَّوْكِيلُ بِالْكِتَابَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ تَعَيَّنَ لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً أَيْضًا فَهِيَ فِي التَّوْكِيلِ وَهُوَ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَإِحْرَامُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ أَوْ الزَّوْجَةُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، وَقَوْلُهُ بِنُسُكٍ مُتَعَلِّقٌ بِإِحْرَامٍ، وَقَوْلُهُ يَمْنَعُ إلَخْ خَبَرٌ؛ أَيْ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ، بِخِلَافِ الْمُصَلِّي إذَا نَكَحَ نَاسِيًا أَوْ عَقَدَ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَعِبَارَةُ الْمُصَلِّي صَحِيحَةٌ. قَوْلُهُ: (الْعَاقِدَيْنِ) وَكَذَا مَنْ أُذِنَ لَهُمَا كَسَيِّدِ عَبْدٍ أَذِنَ لَهُ وَوَلِيِّ سَفِيهٍ أَذِنَ لَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ السَّيِّدُ وَالْوَلِيُّ، أَيْ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَقْدُ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ بَعْدَ إحْرَامِ السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَاكِمًا) عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي التَّحْرِيرِ: وَإِنْ عَقَدَ الْإِمَامُ؛ وَهِيَ غَايَةُ الرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَقَوْلُ اللُّبَابِ يُسْتَثْنَى مِنْ الْوَلِيِّ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ حَالَ إحْرَامِهِ مُرَادُهُ بِهِ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ أَنَّ لِلْقُضَاةِ تَزْوِيجَ مَنْ هُوَ فِي وِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ حَالَ إحْرَامِهِ أَيْ إحْرَامِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَاسِدًا) وَصُورَةُ الْفَاسِدِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يُفْسِدَهَا بِأَنْ يُجَامِعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ أَعْمَالَهَا ثُمَّ يَدْخُلَ عَلَيْهَا بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا، خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ: صُورَتُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>