الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا وَيَجُوزُ فَرْضُ مُؤَجَّلٍ بِالتَّرَاضِي وَفَوْقَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَفْرِضُهُ الْحَاكِمُ) إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ الْفَرْضِ لَهَا أَوْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْمَفْرُوضِ كَمْ يُفْرَضُ؛ لِأَنَّ مَنْصِبَهُ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، وَلَكِنْ يَفْرِضُهُ الْحَاكِمُ حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ كَمَا فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ لَا مُؤَجَّلًا وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْصِبَهُ الْإِلْزَامُ بِمَالٍ حَالٍّ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَهَا إذَا فَرَضَهُ حَالًّا تَأْخِيرُ الْقَبْضِ بَلْ لَهَا تَرْكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا وَيُفْرَضُ مَهْرُ مِثْلٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ. وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْحَاكِمِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصَ عَنْهُ إلَّا بِالتَّفَاوُتِ الْيَسِيرِ، وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. وَالْفَرْضُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَحَلُّهُ فِيمَا قَبْلَ الْوَطْءِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ مُسْتَهْلَكٍ، وَهُوَ الْبُضْعُ أَيْ مَنْفَعَتُهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: بَدَلُ تَالِفٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بَلْ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا) أَيْ مَا تَرَاضَيَا بِهِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ.
قَوْلُهُ: (بِالتَّرَاضِي) أَيْ مِنْ الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَفْرِضُهُ الْحَاكِمُ) أَيْ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْهَا عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ الَّذِي تَقَعُ الدَّعْوَى بَيْنَ يَدَيْهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنْصِبَهُ) بِكَسْرِ الصَّادِ بِوَزْنِ مَسْجِدٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (فَصْلُ الْخُصُومَةِ) وَإِلْزَامُ الْمُعَانِدِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ) الْمُرَادُ بِالْبَلَدِ بَلَدُ الْفَرْضِ يَوْمَ الْفَرْضِ وَنَقْدُ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ بَلَدُ الْفَرْضِ فِيمَا يَظْهَرُ، قَالَ: وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْعَقْدِ أَوْ الْفَرْضِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، قَالَ: وَلَا يُنَافِي قَوْلَنَا بَلَدُ الْفَرْضِ مَنْ عَبَّرَ بِبَلَدِ الْمَرْأَةِ لِاسْتِلْزَامِ الْفَرْضِ حُضُورَهَا أَوْ حُضُورَ وَكِيلِهَا؛ فَالتَّعْبِيرُ بِبَلَدِ الْفَرْضِ لِتَدْخُلَ هَذِهِ الصُّورَةُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (كَمَا فِي قِيَمِ الْمُتْلِفَاتِ) أَيْ مِنْ كَوْنِهَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ حَالَّةً مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) الْمُنَاسِبُ وَلَا مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ.
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ) أَيْ فِي نُفُوذِ الْحُكْمِ وَجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفَرْضِ عِلْمُ الْحَاكِمِ إلَخْ، حَتَّى لَوْ فَرَضَ غَيْرُ عَالِمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: فَإِنْ قُلْتَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا شَرْطًا لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ لَا لِنُفُوذِهِ لَوْ صَادَفَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. قُلْت: لَا بَلْ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ شَرْطٌ لَهُمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مَعَ الْجَهْلِ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ صَادَفَ الْحَقَّ، فَعِلْمُهُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ وَلِلتَّقْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَيْنِ الرِّضَا بِهِ، فَإِنْ رَضِيَا بِهِ صَحَّ وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ مَا لَيْسَ وَلِيًّا وَلَا سَيِّدًا وَلَا وَكِيلًا وَلَا وَلَدًا يَلْزَمُهُ إعْفَافُ أَصْلِهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَعِبَارَةُ م ر: وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ اهـ. فَيَشْمَلُ مَا إذَا فَرَضَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يَصِحُّ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ عَلَى الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالزَّوْجِ أَوْ مَأْذُونِهِ، فَفَارَقَ أَدَاءَ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ عَقْدٌ مَانِعٌ مِنْ أَدَاءِ الْغَيْرِ وَلَوْ عَقَدَ بِنَقْدٍ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ الْمُعَامَلَةُ وَجَبَ هُنَا وَفِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ زَادَ سِعْرُهُ أَوْ نَقَصَ أَوْ عَزَّ وُجُودُهُ، فَإِنْ فُقِدَ وَلَهُ مِثْلٌ وَجَبَ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْعَقْدِ وَقْتَ الْمُطَالَبَةِ. اهـ. شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْعَقْدِ " قَالَ ع ش: يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ مَعْنَى الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الصَّدَاقُ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ فَلَا مَعْنَى لِفَقْدِهِ إلَّا تَلَفُهُ، وَالْمَعْنَى إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يُتَصَوَّرْ فَقْدُهُ إلَّا بِانْقِطَاعِ نَوْعِهِ إذْ التَّلَفُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لِلْمُعَيَّنِ، وَإِذَا انْقَطَعَ نَوْعُهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ لَهُ مِثْلٌ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِاعْتِبَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَيُرَادُ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَيَجِبُ مَعَهُ قِيمَةُ الصَّنْعَةِ مَثَلًا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى فُلُوسًا وَفُقِدَتْ يَجِبُ مِثْلُهَا نُحَاسًا وَقِيمَةُ صَنْعَتِهَا أَوْ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ؛ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ الْمُعَيَّنَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ يَدٍ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَرْضُ) أَيْ وَالْمَفْرُوضُ الصَّحِيحُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ الْحَاكِمِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَمَفْرُوضٌ صَحِيحٌ كَمُسَمَّى فَيُشْطَرُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وَطْءٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَلَا يُشْطَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] وَبِخِلَافِ الْمَفْرُوضِ