للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبُخَارِيِّ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بِقَوْلِهِ: «اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ بِعِوَضٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فَالنِّكَاحُ كَالشِّرَاءِ وَالْخُلْعُ كَالْبَيْعِ، وَأَيْضًا فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ غَالِبًا وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُ الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: إلَّا فِي حَالَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنْ يَخَافَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَيَخْلَعُهَا ثُمَّ يَفْعَلُ الْأَمْرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. وَذَكَرْت فِي شَرْحِهِ صُوَرًا أُخْرَى لَا كَرَاهَةَ فِيهَا فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ.

وَأَرْكَانُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ: مُلْتَزِمٌ لِلْعِوَضِ وَبُضْعٌ وَعِوَضٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجٌ وَشَرْطٌ فِيهِ صِحَّةُ طَلَاقِهِ فَيَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَيُدْفَعُ الْعِوَضُ لِمَالِكِ أَمْرِهِمَا مِنْ سَيِّدٍ وَوَلِيٍّ، وَشُرِطَ فِي الْمُلْتَزِمِ قَابِلًا كَانَ أَوْ مُلْتَمِسًا إطْلَاقُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَخَرَجَ أَيْ مِنْ صِحَّتِهِ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ صِحَّتِهِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (فَيَقَعُ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ فَالتَّقْيِيدُ بِمَعْلُومٍ لِيَصِحَّ بِالْمُسَمَّى كَمَا عَلِمْت.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَعْرِيفِهِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء: ٤] إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْخُلْعِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْهَدِيَّةِ أَوْ الْهِبَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: فَإِنْ طِبْنَ أَيْ وَلَوْ فِي مُقَابَلَةِ فَكِّ الْعِصْمَةِ، فَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُدَّعِي، وَنَفْسًا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْ طَابَتْ نُفُوسُهُنَّ.

وَفِيهِ أَنَّ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ الْآتِي قَاصِرَانِ عَلَى مَا إذَا كَانَ عِوَضُ الْخُلْعِ مِنْ الصَّدَاقِ وَالْمُدَّعَى أَعَمَّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ يُقَاسُ غَيْرُ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] ح ل. قَالَ بَعْضُهُمْ أُخِذَ مِنْ هَذَا أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤] أَنَّ الشَّخْصَ إذَا مَرِضَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ لِزَوْجَتِهِ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا الْبَاقِي عَلَيْهِ ثُمَّ تَدْفَعُهُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ لِيَصْرِفَهُ فِي دَوَاءٍ لَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهِ عَسَلَ نَحْلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩] .

قَوْلُهُ: (فِي امْرَأَةِ قَيْسِ بْنِ ثَابِتٍ) وَاسْمُهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ حَيْثُ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى حَدِيقَتِهَا الَّتِي أَصْدَقَهَا إيَّاهَا فَفَعَلَ.

قَوْلُهُ: «اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ» عِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: خُذْ الْحَدِيقَةَ، فَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ. وَالْحَدِيقَةُ اسْمُ بُسْتَانٍ عِ ش. قَوْلُهُ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ» هَذَا إمَّا مِنْ بَابِ التَّنْفِيرِ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ أَيْ الْمُبَاحَ لَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْحَلَالِ مَا قَابَلَ الْحَرَامَ فَهُوَ بُغْضُ الْمَكْرُوهِ وَبُغْضُهُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (إلَّا فِي حَالَتَيْنِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: " مَكْرُوهٌ ".

قَوْلُهُ: {أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٢٩] أَيْ الْوَاجِبَةَ عَلَى كُلِّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَيْ تَرْكُ إقَامَةِ أَحْكَامِ اللَّهِ مِنْ وَاجِبِ الزَّوْجِيَّةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ) كَأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دُخُولِهَا وَإِنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَوْلُهُ عَلَى شَيْءٍ أَيْ أَوْ تَرْكِ شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْكِهِ كَقَوْلِهِ إنْ تَرَكْت الزِّنَا بِفُلَانَةَ فِي هَذَا النَّهَارِ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (فَيَخْلَعُهَا إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَرَاهَةِ الطَّلَاقِ.

قَوْلُهُ: (وَبُضْعٌ) يُصَدَّقُ بِالرَّجْعِيَّةِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ عَبَّرَ بِالْبُضْعِ وَلَمْ يَقُلْ وَزَوْجَةٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الزَّوْجَةَ دَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ مُلْتَزِمٌ، فَلَوْ ذَكَرَهَا ثَانِيًا لَزِمَ التَّكْرَارُ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (وَعِوَضٌ) أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ) لَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ. قَوْلُهُ: (بِسَفَهٍ) أَوْ فَلَسٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِمَا. قَوْلُهُ: (لِمَالِكِ أَمْرِهِمَا) أَوْ لَهُمَا بِإِذْنِهِ.

قَوْلُهُ: (قَابِلًا) كَأَنْ قَالَ: طَلَّقْتهَا عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِك، فَيَقْبَلُ الْمُلْتَزِمُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ مُلْتَمِسًا " كَأَنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِي، فَيَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>